تعتقد واشنطن أن تغييرات هامة ستحدث قريبا في الجزائر، وهي ترى بأن هناك توافقا بين السلطات والمواطنين على ضرورة التغيير رغم تباين الآراء حول كيفية إجراء ذلك. الموقف الأمريكي عبّر عنه السفير «ديفيد بيرس»، في ندوة صحافية عقدها قبل مغادرته الجزائر التي انتهت فترة خدمته فيها، وبدا واضحا من خلال حديث الدبلوماسي الأمريكي أن إدارة الرئيس «باراك أوباما» تتابع عن كثب ما يجري هنا، وهي تميل إلى الاعتقاد بأن التغيير سيأتي قريبا وأنه سيكون سلميا بالنظر إلى وجود توافق بين المواطنين والسلطات حول هذا الهدف، وقد اعتبر السفير أن قرار «رفع حالة الطوارئ في الجزائر كان إيجابيا، لكننا نتمنى مزيدا من الإجراءات»، ويركز بصفة خاصة على ضرورة إطلاق الحريات وضمان الحق في التظاهر. الإشارة التي أطلقها الدبلوماسي الأمريكي كانت تتعلق بدعوة ضمنية إلى الحوار السياسي داخل الجزائر حول مضمون التغيير، حيث اعتبر أن تجاوز التباين في وجهات النظر حول الإصلاحات التي يجب القيام بها يكون من خلال «الحوار والنقاش السياسي بين الجميع للوصول في نهاية المطاف إلى تغيير سلمي للأوضاع»، وهي إشارة مهمة من حيث أن واشنطن تسعى إلى تجنب تكرار السيناريو المصري والتونسي حيث لم تجد الإدارة الوقت الكافي للتعامل مع تلك التطورات السريعة والمفاجئة، والتي لم تكشف كل أسرارها إلى حد الآن، ورغم وجود قناعة بأن هناك «شعوب في هذه المنطقة تتطلع إلى حرية أكثر» وتطالب «بالحق في التعبير عن الرأي ديمقراطيا وسلميا» إلا أن «الأمريكيين يعتقدون أن لكل بلد خصوصيته وظروفه الخاصة به» ولذلك فإنهم «يشجعون المسؤولين الجزائريين على المضي قدما في الإصلاحات بما يحقق مزيدا من الانفتاح في كنف السلم وبإشراك كافة مكونات المجتمع الجزائري». هذا الموقف يعكس المخاوف من إمكانية تأخر الإصلاح والتغيير وهو الأمر الذي قد يزيد من احتمالات حدوث اضطرابات في منطقة تعتبرها الولاياتالمتحدة حيوية على المستويين الأمني والاقتصادي، ومن هنا فإن الخيار الأفضل سيكون الشروع في إصلاحات سياسية عميقة تستجيب لمطالب الشعب وتلبي طموحاته وهو خيار سيمنح الوقت من أجل ضبط هذا التغيير وجعله سلسا وهادئا، ولعل واشنطن مطلعة على سير عملية الإصلاح وهو الأمر الذي جعل السفير الأمريكي يقول بأن «الإصلاح انطلق وسيتواصل» رغم تأكيده على أنه «لا يستطيع التكهن بما قد يحدث مستقبلا أو إلى أي نتيجة سيؤول إليه النقاش الجاري حول التغيير والإصلاح المنشود من طرف الجزائريين»، وهو ما يعني أن لقاءاته بالمسؤولين الجزائريين سمحت له بتشكيل قناعة مفادها أن التغيير بدأ بالفعل وأن معالم هذا التغيير ستتحدد وفق النقاش السياسي الذي سيجري بين مختلف الفاعلين في المجتمع. التصريحات الأمريكية تبدو أنها تسير نحو مزيد من الدقة بخصوص ما يجري في الجزائر، فما قالته كاتبة الدولة «هيلاري كلينتون» سابقا عن ضرورة إجراء إصلاحات في الجزائر بدا عاما وغير واضح، ورؤية السفير الأمريكي، الذي يمثل القناة الأساسية لنقل الصورة الأكثر تفصيلا عن الوضع، تشير إلى اطمئنان واشنطن إلى الطريقة التي سيتم بها التغيير، وهي طريقة تضمن أمرين أساسيين، الأول هو إشراك كل مكونات المجتمع في النقاش حول مضمون الإصلاحات، والثاني هو أن يتم التغيير في هدوء وبطريقة سلمية. بالنسبة للولايات المتحدة يمثل إشراك كل مكونات المجتمع في العملية ضمانا أساسيا لتوافق وطني في المراحل القادمة، وقد كانت أمريكا تدعو منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى توسيع قاعدة الحكم من أجل تجاوز الأزمة، وقد جاء ذلك المطلب في أعقاب بداية التحول في الموقف الأمريكي من الجزائر، ثم تطورت العلاقات بين البلدين بشكل غير مسبوق في أعقاب أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001، ومنذ ذلك الحين أصبحت الولاياتالمتحدة تعتبر الجزائر شريكا أساسيا في مجال مكافحة الإرهاب، وقد تراجعت بفعل هذه الشراكة المطالب السياسية للإدارات الأمريكية رغم أنها كانت تعود بين الحين والآخر على شكل تصريحات تخص بعض الجزئيات المتعلقة بقضايا الحريات الفردية والجماعية. الجانب الآخر الذي تحرص عليه واشنطن هو التغيير الهادئ، ويتعلق بصفة مباشرة بأهم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية وهما الأمن والاقتصاد، فاضطراب الأوضاع في الجزائر لا يخدم أحدا، فأمريكا تعتبر الجزائر إحدى أكثر القوى تأثيرا في المنطقة، ومن هنا فإن استقرارها يعتبر أولوية، فمن جهة هناك جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها في منطقة الساحل المهددة بالتحول إلى منطلق للنشاط الإرهابي الذي يهدد استقرار إفريقيا والمصالح الأمريكية والغربية فيها، ومن جهة أخرى تمثل الجزائر إحدى الدول الغنية بمصادر الطاقة، فضلا عن موقعها القريب من أوروبا الذي يجعل دائرة تأثير الأحداث الجارية فيها واسعة. كل هذه العوامل تدفع الآن إلى تكثيف الاتصال مع الجزائر من أجل حث السلطات على القيام بالخطوات اللازمة لإجراء ما يجب من تغييرات بشكل هادئ ومدروس، وبالمقارنة مع ما جرى في تونس ومصر وهو أمر لا تريد الإدارة الأمريكية تكراره فإن واشنطن تبدو مطمئنة على الطريقة التي سيحدث بها التغيير في الجزائر.