الإعلام البريطاني يسخر من الطيارين القطريين ذهب إلى ليبيا ليغطي الأحداث..فأصبح هو الحدث؛ تجربة خاصة وصعبة، أن يجد الصحفي نفسه رهن الاعتقال من طرف جهات لا تجمعه بها أي عداوة، والأصعب من ذلك أن تتراءى أمامك كافة السيناريوهات .. ليس أقلها أنك قد تبقى في زنزانتك سنين طوال..أو يكون مصيرك مثل عشرات من رجال مهنة المتاعب الذين ذهبوا ضحية رصاصات طائشة وأخرى موجهة وغادرة..قدر الصحفي في زمن الحروب أن يكون أول الضحايا وليس آخرهم..الصحفي الجزائري حسن زيتوني واحد من هؤلاء ..قاده فضوله الصحفي وعطشه للحقيقة أن يلج مستنقع الفوضى والفتنة الليبي..من سكينة ودعةدبي ، إلى زخم القاهرة..إلى بنغازي..إلى طرابلس المعتقل لأيام قصيرة بعددها، طويلة بألمها وشجنها. العائد إلى الحياة من فكي الموت الصحفي الجزائري «حسن زيتوني» يروي ل«لأيام» تفاصيل تجربة ليست تماما عادية، لمهمة كان يفترض أن تكون عادية. الأستاذ حسان زيتوني في أول إطلالة لك على الجزائريين عبر جريدة «الأيام»، وأنت تصل إلى مدينة سطيف، بعد رحلة صحفية ليست تماما كبقية رحلاتك.. في كلمات كيف تلخص مشاعرك ؟ والله كان الشعور من أروع ما يكون، خاصة وأنني كنت أنتظر بفارغ الصبر عودتي إلى مدينة سطيف رفقة ابني، لأننا عندما فقدنا الوالد قبل شهر لم يحضر ابني جنازة جده، لهذا كانت العودة لها طعم خاص، وكنت أتوق للوصول إلى مدينة سطيف، حتى يتسنى لابني أن يزور قبر جده ويترحم عليه، وهو ما حدث بالفعل أول أمس عندما قمنا بزيارة قبر والدي، منذ اللحظات الأولى في مطار الجزائر كانت عيناي على عين الفوارة.. لي طريقتي الخاصة في الدخول إلى مدينتي التي أعشق.. كنت دائما أرى مدينة سطيف على بعد 33 كيلومترا من مدينة «عين تاغروت»، وكنت وأحدث ولدي على هذه المناظر والأحاسيس..عندما عدت لسطيف من جديد..أحسبني عدت للحياة ..ما أجمل العودة للوطن. قبل أن نخوض في التجربة الإنسانية التي سنركّز عليها أكثر من الجانب الأمني لتجربتك المؤلمة في ليبيا، هل من تفصيل يمكن أن يطلعنا عليه الأستاذ «حسن زيتوني» قبل أن نتحدث عن كيفية وقوعكم في أيدي الأمن الليبي وهل من رسالة ما توجهها لجهة ما؟.
نعم هذه فرصة ثمينة لي للتعبير عن شكري الخالص لكل المسؤولين الجزائريين الذين تابعوا قضيتي باهتمام، وتدخلوا لدى الجهات الليبية المختصة للإسراع في إطلاق سراحي، وبالفعل أكّد لي مسؤولون ليبيون أن سبب إطلاق سراحي هو أنني أحمل الجنسية الجزائرية، وبهذه المناسبة أشكر كل جزائري ساهم من قريب أو من بعيد في مساعدتي على الخروج في أسرع وقت ممكن سبة لهم أنا دخلت بطريقة غير مشروعة لأنني دخلت عبر الحدود المصرية لكنني وجدت أمامي بوابة كبيرة كتب عليها: مرحبا بكم في الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى، والجهات التي نظرت في جوازي لم تختمه لأنها لم تكن تملك الخاتم لختم الجواز فقط ملء استمارات: الاسم، اللقب، رقم الجواز، والجهة الإعلامية التي تشتغل لصالحها. المصريون لا يسمحون لأي شخص بالعبور إلى ليبيا إلا إذا كان يحمل جواز سفر صحفي، فقط الصحفيون لهم الحق في الدخول، وأنا كنت حامل جواز سفر جزائري، وكجزائري لست بحاجة إلى دخول الأراضي الليبية.
لكن السؤال هو: لماذا دخت لبيبا عبر بنغازي وليس طرابلس؟ أنا شرحت أنني في بعض الأحيان ألجأ إلى طرق أخرى وهذا يحدث في كل الأزمات والحروب. إذن نفهم أن مشكلة النظام في طرابلس لم تكن مع السياسة التحريرية لقناة MBC أو مع «حسان زيتوني» الصحفي وفلسفته المهنية، وإنما كان إشكالا قانونيا إداريا. أولا بالنسبة ل MBC لم يكن هناك أي تحفظ، ولنكن واقعيين MBC لم تعد تلك القناة الإخبارية التي تهتم بشؤون العالم العربي، شعارها لا يزال «العالم بعيون عربية» وتغطيتنا حتى وإن كانت قصيرة مقارنة بقنوات إخبارية أخرى، إلا أنها تصب في جانب مهم وهو الجانب الإنساني وتداعياته، وأهم موضوع قمت بتغطيته في بنغازي بالنسبة لي هو اليوم العالمي لليتيم وأنا شاهدت طوال تجربتي المهنية الكثير من المآسي في العالم العربي.. عندما نتكلم عن العراق وفلسطين وأفغانستان، وما يجري في تونس ومصر، وهذه الثورات قد ننظر إليها كصور لأحداث لكن لا ننظر إلى الآثار التي تخلفها هذه المآسي التي تقع في عالمنا العربي، ما كان يعنيني أولا ، ما وراء تلك الصور التي تبثها نشرات الأخبار..الوجه الآخر البشع لهذه الحروب والأزمات. كنت أتحدث إلى ولد ليبي يتيم، كان يحمل صورة والده، ووالده هو الطيار الذي انسحب من الجيش الليبي، وحاول أن يمنع الدبابات الليبية عندما كانت في طريقها لضرب مدينة بنغازي، وبالفعل نجح ثلاثة من هؤلاء الطيارين في طرد الجيش الليبي 30 كيلومترا خارج مدينة بنغازي، حتى لا تكون المدينة عرضة لقصف شديد من طرف أكثر من 400 دبابة، فبالنسبة لهذا الولد أبوه بطل، ولكن هذا الطفل يتيم وفقد الصلة بوالده، فنحن ننظر لما سيؤول إليه عنصر الانتماء لهذا الجيل.. فالأخبار في رأيي ليست قنبلة انفجرت وذهب ضحيتها شخص أو أشخاص، ولكن الأهم هو ما وراء ذلك الحدث وما هي عواقبه؟
قمت بتغطية حروبا في دول عدة؛ في ظل التضليل الممارس من طرف شبكات إعلامية كبرى، كيف تقرأ طبيعة الأحداث في ليبيا وكيف تلخص ما حدث..ولا يزال يصنع الحدث؟ ببساطة وجدت تحد لدى الليبيين خصوصا عندما نزلنا في طرابلس، حتى بعض الصحفيين الأمريكيين الذين كانوا رهن الاعتقال، كذلك تفاجأوا بالأضواء الكاشفة والمحلات والمقاهي التي كانت مفتوحة والشوارع التي كانت مكتظة بالسكان وهم يتوجّهون نحو قصر باب العزيزية ولا يخافون من احتمالات أي قصف محتمل، ونحن نعلم أن طائرات الناتو كانت ترصد كل التحركات وما يجري في المدن الليبية، سألت وكان الرد هو أن الأمر بالنسبة لهم كان تحديا، وقالوا لنا نحن قد لا نتفق مع العقيد لكن لا يجب على أمريكا أو فرنسا أن تفرض علينا التغيير بهذا الشكل، فاستعمال القوة جعل المواطن الليبي يشعر بتحد كبير بينه وبين ذاته. هل هذا يعني أن استمرار تجربة بهذا الشكل لن تؤدي إلى إسقاط النظام في طرابلس قريبا؟ لا أتوقع أن يسقط النظام الليبي قريبا، وأنا شخصيا لا أتمنى ذلك..والسؤال الأخطر؛ من سيأتي بعد القذافي؟..لقد رأينا ما حصل في العراق، هل الشعب العراقي ينعم الآن بالحرية والديمقراطية هل الحكومة العراقية الآن تمتلك زمام الأمور وتسيطر على خيرات البلاد؟؟ هل هي التي تتحكم في مداخيل الدولة؟ هل تتحكم في العلاقات التجارية التي تربط العراق بالدول الأخرى؟، هل يستطيع العراق الآن إقامة علاقات مع الدول التي عارضت إسقاط النظام آنذاك؟ هل هناك سلطة لاتخاذ القرار في العراق والسيطرة على خيرات البلاد؟ أتمنى أن لا يحدث هذا في ليبيا، أتمنى مِن مَن يطلق عليهم اسم الثوار في ليبيا أن يدركوا أن مصلحة الوطن تكمن في الإسراع في وقف نزيف الدم، وإيجاد حلول سياسية لأنه إذا توصل الطرفان إلى حل يصبح التدخل الخارجي غير مبرر، وبالتالي فالكرة في يد الليبيين، مهما كانت اختلافاتهم، ومهما كان موقفهم من العقيد الليبي، أعتقد أنه آن الأوان لوقف هذا النزيف، والقبول بفكرة المبادرة الإفريقية التي تؤيدها الجزائر ومعظم الدول الإفريقية، وفي اعتقادي أن هذه المبادرة تحمل في طياتها بوادر الحل، والمهم أن ثروات البلد تبقي بيد الليبيين، هذه المشكلة يجب أن يفهمها الإخوة الليبيون عليهم أن يدركوا أنّ هذه مغامرة وعليهم أن يتفطنوا للأمر؛ وسأخبرك بشيء صوره الإعلام البريطاني على أنه طريف ،لكنه في حقيقة الأمر يختزل عمق الجرح والمهزلة و التردي الذي وصل حالنا. في أوّل خرجة للطائرات القطرية التي توجّهت إلى ليبيا قال الإعلام البريطاني إن الطيارين القطريين لم ينتبهوا إلى أن طائراتهم كانت عير مملوءة بالوقود الكافي، وأنهم وجدوا صعوبة في العودة إلى مواقعهم، هذا وجه من أوجه السخرية من دولة يعتبرونها حليفة لهم. ما هو المشهد أو الصورة التي ظلت عالقة في ذهنك وأنت تغادر ليبيا..؟ شاهدت جثثا مرمية في مناطق مثل أجدابيا والبريقة، وشاهدت ممتلكات ومباني محطمة ومهدمة، شاهدت أسلحة ودبابات مدمرة هي في الأصل أسلحة مملوكة للشعب الليبي، وهذه المشاهد أثرت فيّ كثيرا.. شاهدت عائلات وأطفالهم من مناطق مثل أجدابيا والبريقة تقف في طوابير العائلات ويغادرون إلى مصير مجهول. هناك مأساة أخرى تتعلق بمليوني مصري كانوا يشتغلون في ليبيا كانوا يعيلون أكثر من 4 ملايين عائلة، إلى جانب أكثر من 300 ألف تونسي وحتى الجزائريين..أكثر من 6 ملايين مهاجر كانوا يشتغلون هناك ما هو مصيرهم؟ لماذا لا ينظر الغرب إلى مثل هذه الأمور؟ لماذا يغامرون بإسقاط هذا النظام أو ذاك ؟ ..ومهما كانت طبيعة النظام القائم في بعض الدول مثل ليبيا إلا أنها كانت تمثل مصدر رزق للكثيرين...هذه تفاصيل صغيرة في قصة أكبر اسمها الجرح الليبي النازف.
كلمة أخيرة أستاذ حسن.. أتمنى كل الخير للشعب الليبي الشقيق ، وكل شعوب أمتي ودعائي الخالص للمولى عزوجل أن يحفظ بلادي من كل مكروه..وشكري الخالص لكل أبناء وطني الذين وقفوا معي في محنتي ..وتحياتي لجريدة الأيام وقرائها.