(تابع).. لزهر أتعلم لقد رسمت لك ألف صورة في ذاكرتي ..ونحت لذكراك حجرا وسمته "استقلال".. لطالما افتخرت به، ماذا حدث لك أن تنكرت لي بكل هذه السهولة ..كانت أخبارك تصلني أولا بأول وحدك من مكنني بأن أطرد المرض ..لم تتخيل كيف قلبتك في مخيلتي..مرة أرسمك على أنك طبيب تعيد لوالدك بسمة المشي على رجليه .. ومرة أراك بلباس الجنود... تكمل مسيرة والدك ومرة أراك ..و أخرى .. إلا الصورة التي أنت عليها الآن ..لم أتخيلها ،أتراه انتقام القدر يا ولدي لا أذكر أنني فعلت ما يلطخ صورة عندك ..خرجت من الثورة بكرسي هذا ..أم أنه امتياز التاريخ الذي تلاحقنا لعناته .. إنه ثمن العمر الذي أنشأتك عليه يا كبدي ..ثمن فرنشيسكا التي لم تعرفها يوما ..ثمن أمك باية التي آنست إليها مرتين في حياتي ثانيها قذفتك في أحشائها .. ثمن غرائزي التي كبتها طويلا .. إيه يا ولدي ما أتعس اللحظة ،ليتك تعود ليتك تطفأ بعض النار التي يأكلني ضريمها ..لماذا تبتئس يا ولدي من أصنامي ألم نتفق ..أن تدعني لتاريخي وأدعك أنا لمستقبلك .. لو تعلم يا حبة القلب حتى أنت لك تاريخ ..سأتركه لك على هذه الأوراق تعاشر النسيان إلى أن تحن إلى ذكرى والدك الحزين ..في هذه اللحظات يا ولدي تسقط دموعي لتبلل بعض أوراق الذكريات ..أتركها لك لتشمها بعد رحيلي لتعلم أني لم أخنك بالغيب ..فلقد كنت أجمل مشروع أهفو إليه لإرضاء جدتك.. ما أروع تاريخك حين يعاودني ..شهقة و صرخة ..تلك التي لم يعد إليها جسدي منذ خمسين عاما .. نعم يا ولدي هي آخر اللحظات كانت ..بل آخر الرعشات ..ما أجمل ذلك الشّعور حين تسكن لامرأة تحس ، إنك فوق الدنيا .. أتعلم يا ولدي أنا لم أمتلك في حياتي غير الجسد ..متعني لآخر الحدود ..إلى آخر النسمات ،لحظتها كنت شابا أتقن فن صهوة الجياد البرية ..لم أنس أبدا مهنتي في ترويض الخيول .. أعترف أمامك ... كانت فرسا أنيقا، مذ وجدتها في بيتنا مع والدتي لم تترك شيئا في البيت إلا جلبته إلى المائدة الصغيرة رغم حكايات أمي الكثيرة لم أنس هذا الجسد الذي أخذ يدور حولنا كالنحلة.. حتى قطعت على أمي حديثها من هذه ؟ لتقول إنها زوجتك .. ليتنفس جسدي شهقة في زمن الاحتلال .. كدت أصرخ، بل أبكي ..عامين كاملتين في الجبال نعد الخلايا لإعلان الثورة ليتوج إخلاصي بليلة تتطاير فيها نسمات الحب ..وحده القدر العظيم من نحت هذه الليلة الجميلة.. لتتوج مجهوداتي بجسد بري أسكن إليه ليلة كاملة.كنت أدعو الله أن يسارع الوقت ليحل الظلام.. ولعلها كانت في حجم شوقي ..ولعل عذابها كان أكبر ..هكذا هي المكاتيب تسوقنا إلى حيث لا نتخيل .. لقد ألغت هذه المرة كل إتصلاتي بالعالم الخارجي ..نسيت كل شيء ..تهديد برال ..نسيت أني القائد الذي يجب أن يشق في أولى ليالي نوفمبر طريق الحرية .. هاهي الحرية تبدأ من هنا ..من هذه الليلة ..أكان لدم هذه الليلة علاقة بالدماء الزكية التي سنقدمها ذبيحة للوطن ..؟ تماما كهذه المرأة التي قدمت نفسها ذبيحة لذكرى رجل قالوا لها أنّها زوجته .. أمي هذه المرأة العظيمة أتراها أحست بفطرة أمومتها أني بحاجة إلى سكن حقيقي ربما أنوثتها التي ضاعت بفقدها لأبي من أدركت حاجتي للجسد .. في هذه اللحظة شعرت والدتي أن أمر الفتاة شد انتباهي وعطّل كل حواسي ..حيث فقدت السيطرة على انتباهي لكلامها ..و لكن في هذه اللحظة أستعيد بعض عقلي لأقول لأمي بلغة القائد : رتبي بعض أشياءك المهمة سيأتي بعض الرجال ليلا ليأخذاكما إلى مكان ما في المدينة .. الأم تسأل ..لأقاطعها ستعلمين في الوقت المناسب، كان أمرا سريا للغاية .. لأعود إلى شرودي لم أكد أتمالك نفسي ولم أسيطر على لهفي.. حتى جعلت أتمتم : أكل هذا الجسد سيكون بين يدي هذه الليلة ..لأعظ على لساني و أسرح طويلا في صورة التعانق .. و ألمحك باية تتخطفين النظر على استحياء ..أتراك وجدت غير الصورة التي حدثوك عنها .. لتخاطبني أمي فأنتبه لها مقبلا يديها .. تقول : قادر ولدي كُل العشاء بين يديك .. في هذه اللحظة ذهبت باية إلى غرفتها تتزين .. أنهيت عشائي و كانت والدتي تصلي ..و ألم بي عياء رهيب فاستحيت أن أذكر ذلك ..إنها مسيرة ثلاثة أيام بين الجبال .. تدخل أمي على باية بحجة إخبارها أنهما سيرحلان باكرا .. أنا أعلم إنما دخلت لتهبها بعض النصائح ..في مثل هذه الحالة ،لتخرج مرة أخرى فتقول لي وكأن الأمر عادي جدا : قادر ولدي أدخل وخذ لك بعض الراحة ..لا شك أنك ستغادر باكرا، وأنت كذلك يا أمي ارتاحي لترحلان باكرا .. لم تسأل عن مكان توجههما، ربما كانت ستعلم أن أمرا جللا سيحدث .. لأدخل على ضوء تلك الشمعتين .. كانت صدمتي كبيرة، فمذ رحيل فرنشيسكا لم أضاجع امرأة.. و الجبل يقسو على الرجال.. لأقول لها : كيف تقبلين زواجا كهذا ؟ لترد في حلم و أناة :وما به ، فلا أحد يعلم به غير إمام المسجد و الشيخ لخضر جاركم ،أما الجميع فيعلم أني ابنة خالتك جئت لمساعدة خالتي في شؤونها .. لم أقصد هذا و لكن كيف تقبلين زوجا لم ترينه .. لترد : ها أنا قد رأيته .. قلت لها مازحا : وكيف وجدته ؟ تغرس رأسها في حجرها .. تقول متحدية : رأيته خيرا مما كنت أتمناه .. وضعت يدي على رأسي لأدعو الله أن يبارك زواجنا .. ليبدأ بعده لعب من نوع الإبحار في الأعماق .. نسلخ عنا كل ثيابنا ..كل همومنا ..تمنيت يا باية لو أني مكثت في حضنك أياما ... أصدقك يا ولدي : كاد الإغماء يعاجلني ..فمنذ زمن لم أرى جسدا كهذا يبتسم أنوثة و يشع بهجة ،كل شيء فيه كان متعرجا ..استنفرت كل بهجتي و سروري ..بل كل تعبي وزدته شهوتي الماضية .. كنت أتزوّد من هذا الجسد لأيام الجفاف وأدخر منه لأيام من نوع آخر..في هذه الليلة نزعت كل المساحيق ..أغوص طويلا لأتنفس قليلا ..لأعاود الغوص مرة أخرى .. و هكذا نحتك يا ولدي في جوف امرأة تشبه النسيم الصباحي المعطر بريحة النعناع ..أمك باية مثل الابتسامة ..إنها صدقة يا ولدي .. و في الغد مضيت إلى مهمتي النبيلة و إغماءة تشبه الحلم توقعنا في سرابها لم أشبع تلك الليلة منك باية ، عادت إلي مرة أخرى فتنة الجسد التي أرهقتنا نحن الجزائريين ..جسد المرأة التي أخذت لها تفاصيل كثيرة في مجتمع لا يفقه إلى الجسد .. مضيت إلى مهمتي لأجدك في طريقي ...