بقلم: محمد الأمين سعيدي/ الجزائر على يدٍ من خيالٍ تتبرعمُ القصيدةُ، وتقفُ تماما في النقطةِ التي تربط بين الحاضر والغائب، بين العقلِ والجنون، بين البداية والنهاية، بين السلام الجميل الذي يحلمُ به المغلوبونَ وبين ضحكة خبيثة لحربٍ طاحنة تختبئ خلفَ سيماء ساسةٍ أغبياء. فالقصيدة، هذه القادمة على فرس الأسئلة، لا ترضى بأنْ تكونَ مرآةً تنعكس عليها سخافاتُ العالم، ترفض أنْ تكون مطية للحالمين حدّ السذاجة، تأبى أنْ تنتسج بخيوطِ المباشرة السافرة أو أنْ تركنَ إلى الإجاباتِ الخرقاءِ التي جعلتْ الأرضَ مكانا لليقينِ الدوغمائي الذي يقتلُ كل احتمالٍ يعيدُ تركيبَ الأشياء وفقَ منطق جديدٍ أو رؤية مغايرة. إنَّ القصيدة قبل أنْ تكون بنية لغوية هي رؤيةٌ تقتنص المعنى الضامرَ بين المتناقضاتِ، وتروم التعبيرَ عن جوهر الموجوداتِ لا عن ظاهرها، وعن مجهولِ العالم لا عن معلومه، وهي بهذا تتخذ المغامرة سبيلا لاستكشاف المغيّبِ، وللتعبير عن المسكوتِ عنه، وأحيانا، من أجلِ فتح نافذة على التمرّدِ لنفض بعض الأتربة عن هذا الوجودِ القديم. بعدَ هذا، ماذا سنفعلُ بجبال الشّعر الغبي الذي يكتفي بوصف ظاهر الأشياء؟ كيف نحتمل ملايين الشعراء الذينَ حوّلوا القصيدة إلى آلة تصويرٍ ترصد الثبات لا الاختلاف؟ إلى متى سيظلّ الشاعر العربيّ تلميذا عند المرزوقيّ يعلّمه المقاربة في التشبيه والإصابة في الوصف ومناسبة المستعار منه للمستعار له؟ متى تعودُ للشعر غرائبيتُه البهية التي نسبته في عصر “جاهليّ" إلى الجنّ، أيْ إلى المخفيّ الجليل؟ ومتى نفهم الشعر كما فهمه النواسيُّ حين قال: غيرَ أني قائل ما أتاني//من ظنوني مكذّب للعيانِ آخذٌ نفسي بتأليف شيء//واحد في اللفظ شتى المعاني قائمٍ في الوهمِ حتى إذا ما//رمتُه، رمتُ معمَّى المكانِ هكذا تقترحُ القصيدة نفسها فضاءً لاكتناهِ دلالاتِ العالمِ، لإنتاجها من جديد، وللتعبيرِ عن حقيقته المختفية تحت غشاوة المادة وخلف جدُرِ واقعِه المتغيِّر وحوادثه الزائلة، هكذا تكشف عن عالم بكرٍ من المعاني، مختبئةٍ-على سبيل المثال-في بكاءِ المسدس على المقتول، وعلى جناحِ فرحٍ عابر للجراح، أو في عيون امرأة تتمنى لو تتحوّل إلى عاصفةٍ تفتكُ بالذكوراتِ القديمة، وربما، وهذا وارد، في غوايةِ شيطانةٍ تحلم بأنْ تسلكَ الطريق المستقيم لتقترب من ملاك تحبّه كما يحبّ الآدميُّ الآدميةَ. كل هذا قد تنتبه إليه القصيدة حين تستمعُ إلى ما تقولُه أشياء العالم الصامتة، وحين تضعُ قدما في الوجود وقدما في ظلال الغياب التي تملأ الحياةَ بالغموضِ المطلوب. صهيل الذاكرة ... بقلم: مصطفى صوالح محمد/ الجزائر صوتك الآتي يحمل الأمنيات والدروب القادمهْ مثلهم تحمل الآتي وتقتل الجملا ها أنت لا شيء يثنيك عني وأنا لا وقت ... لا مكان ... لا أملا يابن آهاتي تشتهيني النوارس جرحا والعيون الحالمه خلفهم تزرع الملح في صحوهم تتعرى المسافات حين لا أنت ... لا أنا ... لا عيون اليوم تحضن الأملا تصلب الأمنيات فوق أسراب المكان فوق أسرار الثواني حيث لا أنت لا صوتك الآتي ... يعتريني الصمت والخوف أيها الآتي أصبح البطلا أيها الآتي احتضني ممكنا حين لا وقت ارتضيتَهُ سبلا إيه يا موال أنصت للذي أضحى في عينيك لحنا مرسلا كيف تبكي عبرة أحزانها والعيون السود صارت عطلا لا رحيل اخترت يشفي لوعتي لا اختيار اليوم يثني الأملا هاك من شهوة الأحلام نبضا لا يدانيه غروب حين أمسى ما بنيناه ما بيني وبيني مهملا هاك من صحوة العمر عبيرا أيها الآتي كيما ألقاك صباحا مقبلا لا تقل ضيعت دربي بل هوانا ضيع السبلا . * شارك: * Email * Print