اختارت جبهة القوى الاشتراكية أن تقترب من الانتخابات الرئاسية من زاوية التحولات الإقليمية والدولية، وتعني هذه التحولات كل الفاعلين السياسيين بالنظر إلى تأثيرها المباشر على التوازنات السياسية الداخلية خاصة بعد المأزق الذي آلت إليه عملية التحول الديمقراطي في دول ما يسمى الربيع العربي منذ بداية الاحتجاجات في البلاد العربية تعاملت جبهة القوى الاشتراكية بفتور كبير مع الدعوات التي أطلقت في الداخل من أجل مواكبة ما يجري في الجوار عن طريق تسيير مظاهرات في الشارع وتصعيد الاحتجاجات للمطالبة بتغيير النظام، وأعلن الأفافاس في مناسبات عديدة، ومنذ شهر جانفي 2011 الذي شهد ما عرف باحتجاجات السكر والزيت، رفضه لفكرة اللجوء إلى الشارع، وانتهى به الأمر إلى تغيير استراتيجيته السياسية بشكل عميق عندما جعل من منع الانزلاق نحو العنف هدفه السياسي الأول، وشارك في الانتخابات التشريعية والمحلية وعاد إلى لعب دور مؤثر على الساحة السياسية بعيدا عن سياسة الكرسي الشاغر وبالاقتراب أكثر من السلطة. وليس الأفافاس الحزب الوحيد الذي يتابع عن كثب التحولات الجارية على الساحة الإقليمية، فقد اختارت حركة مجتمع السلم أن تنظم ندوة سياسية شاركت فيها أحزاب أخرى حول تطور الأحداث في مصر حيث عبرت عن رفضها الانقلاب على الشرعية الذي حدث هناك، وقد بدا غريبا أن تستحوذ الأحداث الجارية في الخارج على اهتمام أحزاب لم تستطع تحديد خياراتها بوضوح من الانتخابات الرئاسية التي ستجري خلال أشهر، غير أن هذه القضايا الإقليمية تبدو مرتبطة بشكل مباشر بالوضع الداخلي. منذ انطلاق أحداث ما يسمى الربيع العربي ركزت أحزاب المعارضة الجزائرية على الحراك الشعبي في البلاد العربية واعتبرت أنه الوقت قد حان من أجل تغيير النظام السياسي بشكل كامل، وقد بدت هذه الأطروحة السياسية مغرية، حيث بادر التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إلى الدعوة إلى التظاهر وتحدي قرار حظر تنظيم المسيرات في العاصمة، وقد حاولت بعض الأحزاب إنشاء جبهة تأسيا بما شهدته بعض البلدان العربية، غير أن الشارع رفض الاستجابة لدعوة التظاهر، وأكثر من هذا ارتاب قسم من المعارضة من هذه الدعوة واعتبر أنها تنطوي على مغامرة غير مأمونة العواقب. لعل الإسلاميين كانوا الطرف الأكثر مراهنة على ما سمي الربيع العربي، فقد بادرت حركة مجتمع السلم إلى الانسحاب من التحالف الرئاسي ومن الحكومة بعدها، وقد ربطوا استراتيجيتها الانتخابية في تشريعيات ومحليات سنة 2012 بما يجري في الجوار الإقليمي، وبدوا وكأنهم موقنون من فوزهم في الانتخابات قبل أن تأتي النتائج في الاتجاه المعاكس تماما، وقد اعترف رئيس حمس عبد الرزاق مقري مؤخرا بأن على الإسلاميين أن يهيئوا أحزابا مدنية وعصرية، وهو ما بدا كرجع صدى لما حدث في الجوار الإقليمي ولكن في الاتجاه المعاكس لما كان متوقعا. سنة واحدة من حكم الإخوان المسلمين في مصر وضعت الإسلاميين في الجزائر أمام امتحان عسير، فقد خرج الملايين في مظاهرات حاشدة في مصر للمطالبة بإسقاط حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، وانتهى الأمر بتدخل الجيش الذي عزل الرئيس، وبصرف النظر عن الخلافات العميقة حول توصيف ما حدث فإن فشل الإسلاميين في إدارة المرحلة الانتقالية كان بينا، وفي تونس أيضا يواجه حكم الإسلاميين بقيادة حركة النهضة ضغطا كبيرا من المعارضة وقطاعات من المجتمع تطالب بإسقاط الحكومة وإنهاء حكم الإسلاميين، وقد زادت الاغتيالات السياسية وتدهور الوضع الأمني في تعقيد الحالتين المصرية والتونسية. الخلاصة التي يكاد يستنتجها الشارع هي أن صعود الإسلام السياسي بات مرتبطا بالعنف، ورغم أن هذا الحكم يبدو غير دقيق وغير موضوعي، فإن خصوم الإسلاميين يستغلونه بذكاء، بل إن جزء من الإسلاميين بات يطالب بالابتعاد عن السابق نحو السلطة في هذه المرحلة على الأقل، وهذا الوضع يؤثر بشكل مباشر على الانتخابات الجزائرية، فقد اقترح رئيس جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة، المنشق عن حمس، التوافق على مرشح يقود عملية الإصلاح السياسي والإداري خلال السنوات الخمس القادمة، وتوحي هذه الدعوة بأن المعارضة بدأت تقتنع أن الوضع الحالي غير مناسب لتولي السلطة، وحتى الإشارات التي يطلقها بعض المعارضين عن كون الانتخابات الرئاسية القادمة تمثل فرصة حقيقية للتغيير السلمي تعزز هذا الشعور بأن الخيار الذي يميل إليه الجميع هو التوافق على صيغة لتسيير مرحلة انتقالية يتم خلالها إجراء إصلاح سياسي عميق. التجربة المصرية أثبتت أن تولي الحكم في فترة تغيير النظام هو مجازفة خطيرة، فما يعرف بالدولة العميقة، والذي تمثله الإدارة والأجهزة الأمنية وجماعات المصالح، يجب احتواؤها على المدى البعيد، كما أن حالة الاهتراء التي وصلت إليها الدولة تحولت إلى فخ قاتل لكل قوة سياسية يمكن أن تتولى مسؤولية الحكم، وهو ما يجعل التوافق على خارطة طريق البديل الأفضل، وفي الحالة الجزائرية تمثل تجربة التعددية، والأزمة الدموية التي لا تزال آثارها حاضرة في الأذهان، عوامل تعقيد تضاف إلى المشهد، لكن الأهم في الأمر هو أن الشارع لا يبدي حماسة كبيرة للشأن السياسي، وهو مرتاب في أهداف المعارضة، وقد يدفعه هذا إلى العزوف عن الانخراط في الحراك السياسي الذي تسعى المعارضة إلى إطلاقه. مشاهد العنف الدموي القادمة من سوريا، والأزمة المستعصية في مصر، وحالة الانزلاق نحو العنف في تونس، كلها تؤثر على مسار الانتخابات الرئاسية في الجزائر، لكن ليس هذا فحسب، فهناك أيضا العامل الخارجي حيث تبدي القوى الكبرى، وخاصة الولاياتالمتحدة وأوروبا، كثيرا من التريث قبل اتخاذ المواقف حيال التحولات الجارية، بل إنها في الحالة المصرية وضعت مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان جانبا وراحت تراقب تطورات الوضع على الأرض، وهو ما يمثل إشارة سلبية إلى أحزاب المعارضة في الجزائر والتي بنت جزء من حساباتها السياسية على الضغط الذي يمكن أن تمارسه القوى الكبرى على السلطة من أجل حملها على إحداث التغيير المنشود، فورقة العامل الخارجي تكون قد سقطت، وهذا معطى مؤثر في الحسابات الانتخابية.