الجهود التي تبذلها السلطات العمومية من أجل احتواء التوتر في بريان، سواء من خلال إيفاد محققين من رئاسة الجمهورية أو من خلال المساعي التي يبذلها وفد الداخلية بقيادة الوزير المنتدب المكلف بالجماعات المحلية، لن تكون لها أي نتائج إذا لم يلعب الأعيان والمواطنون في المدينة دورهم في الحفاظ على الاستقرار والتعايش بينهم. الأحداث الأخيرة بيّنت أن مسؤولية المحافظة على الهدوء والأمن تقع على عاتق سكان بريان في المقام الأول وعلى أعيانهم خاصة، وتجدد المواجهات رغم توقيع وثيقة بين أعيان الإباضية والمالكية تحت إشراف وزارة الداخلية في شهر مارس الماضي يعني أن هناك تقصيرا من جهة ما، ولا بد أن يدرك الجميع أن مسألة التعايش تتعلق بمصير كل سكان المنطقة، وأن ما جرى لا يمكن تبريره عرقيا أو مذهبيا بأي حال من الأحوال، والأخطر من هذا هو أن فقدان الأعيان لهيبتهم ووزنهم في عيون شباب المدينة ستكون له عواقب وخيمة في المستقبل. عندما نقرأ البيانات الصادرة عن أعيان بريان نفهم أن هناك إجماعا على ضرورة تهدئة الوضع وعلى نبذ العنف، لكن هذه البيانات، وجلسات الصلح العديدة التي عقدت، لم تف بالغرض منها وهو تجاوز المواجهات، واندلاع أعمال الشغب بعد صلاة الجمعة الماضية يحمل دلالات خطيرة، فتحويل الأمر إلى صراع مذهبي يعتبر أمرا غير مقبول على الإطلاق في بلد بقي دوما مثالا للتعايش، ثم إن الإباضية، تاريخيا، لم تكن في حالة مواجهة مع المذهب المالكي أو غيره من المذاهب الإسلامية، وعلى شيوخ المذهبين أن يتحملوا مسؤوليتهم في بريان وفي المناطق الأخرى من الوطن من أجل تجاوز هذا الاحتقان. قوة القانون لا تكفي وحدها لمعالجة هذا النوع من المشاكل المعقدة، وعلى سكان بريان أن يدركوا أن أمنهم واستقرارهم ومصيرهم ككل مرتبط بمدى قدرتهم على تجاوز النظرة الضيقة والأحكام المسبقة والاعتبارات القبلية والمذهبية، وعلى المثقفين في المنطقة أن ينهضوا بمسؤوليتهم في إشاعة ثقافة المواطنة التي وحدها تمثل حصن الوحدة الوطنية والانسجام بين مختلف مكونات المجتمع.