يقف زعيم فنزويلا الراحل هوجو شافيز، مرتدياً زيه العسكرى، متشحاً علم بلاده، ويحمل طفلاً بيده دستور البلاد، واقفاً وسط 6 أطفال من مختلف طوائف المجتمع فى كراكاس.. هذه هى صورة غلاف نسخ مطبوعة حديثاً من الدستور الفنزويلى ليتم توزيعها على أطفال المدارس، على هيئة رواية كرتونية لتسهيل قراءة الدستور على هؤلاء الصغار. ويتضمن الكتاب الذى طبعت الحكومة الفنزويلية منه حوالى 5 ملايين نسخة ليتم توزيعها مع بداية العام الدراسى الجديد فى البلاد، على أكثر من 300 رسمة كرتونية توضيحية، فيما وصفه الرئيس الحالى نيكولاس مادورو بأنه «هدية جميلة لأطفال أمتنا». وأكد «مادورو»، خلال كلمة ألقاها فى مدرسة افتتحت حديثاً باسم «شافيز»، أن «هذه الهدية ستساعد الأطفال على استيعاب المواد الدستورية ببساطة، كما أنها ستعمق حب هؤلاء الصغار للرئيس الراحل، الذى ضحى بحياته لتحرير البلاد». ويقول الرسام عمر كروز، الذى أشرف على تصميم الرسومات الكارتونية بالكتاب، إن هناك خططاً بالفعل لنسخ طبعة ثانية من هذه النسخة الكرتونية، واعداً بتعديله وفقاً لرأى الأطفال أنفسهم فى النسخة الجديدة، كما أنه سيكون على شكل كتاب فكاهى بدلاً من الإصدار الحالى الذى يحمل رسوماً كرتونية توضيحية فقط. وأثار الكتاب مخاوف بعض النقاد من أن تمثل هذه النسخة من الدستور «محاولة من قبل الحكومة لغسل أدمغة شباب فنزويلا، وإجبارهم على حب الثورة ومعاداة الإمبريالية». واعتبر البعض أن توقيت توزيع مثل هذه الكتب «سيئ»، حيث إن أحد أعراض تداعى الاقتصاد، الذى تعانى منه فنزويلا حالياً، هو النقص الحاد فى الورق، ما أجبر، هذا الشهر، العديد من الصحف المحلية على وقف طباعة إصداراتها نظراً لعدم توفر الورق. ويصف بعض المهتمين بالشأن الفنزويلى دستور البلاد بأنه ضمن الدساتير الأطول والأكثر غموضاً فى العالم، حيث يبلغ عدد مواده 350 مادة، مشيرين إلى أن عدد صفحات نسخته المصورة، التى سيتم توزيعها فى المدارس، يبلغ حوالى 320 صفحة، ولذا فإن ال5 ملايين نسخة ستستهلك كمية ضخمة من الورق تصل إلى 1.6 مليار ورقة، وهو ما تشتد حاجة البلاد إليه. وتقول مجلة «فورين بوليسى»، الأمريكية، إن هذا المشروع جزء من اتجاه أوسع نطاقاً للدولة، حيث إن النظام الحاكم قد حاول طويلاً استمالة كل فئات الدولة إلى الثورة البوليفارية، على مدى السنوات ال15 الماضية، بدءاً من تغيير العملة، والعلم، حتى اسم البلاد، كما أنه من خلال دمج الدولة والحزب الحاكم، فإن النظام يسعى إلى جعل نفسه كياناً لا يمكن الاستغناء عنه. وتسخر المجلة من التجربة قائلة إنه نظراً إلى ميل فنزويلا لوضع الدساتير، حيث إن هذا الدستور هو ال26 فى تاريخ البلاد، فإنه من غير المرجح أن تستمر هذه النسخة فى ذهن هؤلاء الأطفال حتى يكبروا، مشيرة إلى أن الدستور الحالى للبلاد، والذى تم صياغته عام 1999، استمر لمدة 14 عاماً، وهى الفترة التى تمثل ضعف متوسط عمر الدساتير السابقة، وكانت الحكومة حاولت بالفعل تغييره، دون جدوى، عام 2007. وترى المجلة أنه بالنظر إلى التاريخ، فإن النظام السياسى الذى خلف شافيز سيعيد كتابه تاريخ فنزويلا من جديد كما فعل أنصار الرئيس الراحل، مشيرة إلى أن كل نظام جديد يسعى لإنشاء دولة وفقاً لتصوره الخاص، ولذا فأى دستور يرتبط بشكل وثيق بالعهد القديم فإنه سيكون أول شىء سيتم التخلص منه، وهو ما جعل المجلة تقول إن «مصير هذا الكم الهائل من الورق الذى تم استخدامه لطبع الخمسة ملايين نسخة الزائلة من الدستور هو إعادة التدوير».