اختار الأستاذ المحاضر بجامعة وهران سليمان عشراتي، أن يقف عند أهم ما جمع وميز كل من المفكرين الجزائري مالك بن نبي والتركي فتح الله كولن، وذلك في مداخلته التي ألقاها أمس، ضمن أشغال اليوم الثاني من الملتقى الدولي “فلسفة البناء الحضاري عند مالك بن نبي وفتح الله كولن”. ورأى الباحث أن الرجلين اشتركا في معايشتهما للظاهرة التغريبية، وإن كان بن نبي قد عاشها بالاحتلال الفرنسي، فإن كولن عايشها بالاختيار الفوقي الذي مارسته الصفوة “الأتاتوركية”. وراح المحاضر إلى أبعد من هذا، موضحا أن مصادر الثقافة عند المنظرين كانت متبانية، فهي غربية تقنية عند بن نبي وتركية إنسانية عند كولن، وإن كانت الثقافة الإسلامية توحدها بالأصالة. غير أن عشراتي في مداخلته التي ألقاها تحت عنوان “قراءة في المنظور الفكري لكل من بن نبي وكولن”، لم يجد ما يفرق الرجلين أكثر مما جمعهما، وذلك في اشتراكهما في التصدي للأحداث من منطلق الشعور بوجوب الكفاح، من خلال الدفاع عن الثوابت، فكان لهما أن اختارا التنظير الفكري المؤسس على التحليل والتشخيص والنزوع إلى الملموس، بعيدا عن التجريد والعاطفة وليس ببعيد عن الهدي النبوي وإنجازات الخلفاء الراشدين. من جهته، طرح الدكتور موسى بابا عمي من الجزائر، إشكالية الحديث عن الأخلاق بلا دين، وهل يستساغ بالعقل وجود دين بلا أخلاق؟، ثم راح يحلل هذا الطرح، موضحا أنه من الصعب أن يعيش البشر دون أن يكون هناك قيم عامة، يستندون إليها ويحتكمون بها في الاختلاف، وهو ما أسقطه المحاضر على فكري الرجلين موضوع النقاش، والذين عملا على تبيين مكانة الأخلاق في بناء الحضارة بمنهجين مختلفين وتحليل أملاه البعد المعرفي لديهما. وعاد المحاضر للحديث عن علم الكلام ومهاجمة بن نبي وكولن، ولكن بأقل حدة، متوصلا من خلال بحثه وإسقاطه إلى أن الخصال الإنسانية السامية وعمق المشاعر والفكر وسلامة الشخصية، “بطاقة اعتماد مطلوبة دائما وفي كل مكان”. في السياق ذاته، خصصت الأستاذة شافية أوصديق بحثها للحديث عن مسألة “لاهوت النهوض عند مالك بن نبي وفتح الله كولن جهاد فكري وجهاد مدني”، وتوصلت من خلال تحليلها إلى أن المقارنة هنا تكون بتفعيل العقيدة وذلك بالقراءة المعمقة لفقه الأولياء. كما أن كلا العلمين جعلا فك شفرة الحضارة الغربية هدفا لهما مسخرا لخدمة نهضة هذه الأمة. وقال إن بن نبي اتخذ الجهاد الفكري، فيما اتبع كولن الجهاد المدني. ثم ركزت أوصديق على فكرة عدم اهتمام كل من المفكرين بالمرأة وكيف أن العلم الجزائري تشرب من التراث الممثل في الزوايا وجمعية العلماء المسلمين ونخبة من المفكرين حتى الفرنسيين، فيما تأثر كولن بالفكر الصوفي. من ناحية أخرى، كان للباحث اليمني فؤاد البنا نصيب في هذا اللقاء الفكري الذي جمع نخبة من الباحثين من خمس قارات، فركز في عرضه الذي جاء بعنوان “موازنات العروج الحضاري عن بن نبي و كولن”، على عدة نقاط أو معادلات كما أسماها؛ أهمها سبب التخلف ورؤية النهوض بين الأصالة والمعاصرة ومسألة النهوض بين الحقوق والواجبات وبين الفكر والروح ونقاط أخرى أردفها بالموازنة بين الثوابت والمتغيرات واستراتيجية العروج بين العيش في الأرض واستشراف السماء والدنيوية والأخروية، وفق تعبيره.