خ/رياض تشير كل المعطيات والشواهد إلى أن الطبقة الوسطى بدأت تفقد تدريجيا قدرتها الشرائية في الشلف، بفعل شيوع الجريمة المنظمة بمختلف أنواعها كتبييض الأموال وطغيان تجارة بيع المال عن طريق المضاربة غير المشروعة وتداول العملة الصعبة لدى مافيا محلية تتاجر في اليورو بحرية أشبه بالمطلقة، ناهيك عن بروز سماسرة العقار وأنواع القمار والربا وغيرها من العوامل التي ساهمت بالنصيب الأوفر في دحرجة الطبقة الوسطى وتعزيز مكانة الطبقة الثرية مع مرور الوقت، في ولاية باتت أشبه بنظام يديره أصحاب المال والأعمال، حسب تقديرات أحد الناشطين في قطاع المالية، مضيفا إنه إذا كانت الأزمة الاقتصادية قد ضربت جميع دول المعمورة بدرجات متفاوتة ومست سوق المنتجات الفاخرة في سويسرا أو فرنسا أو اسبانيا، فإن الوضع لا يختلف كثيرا عن ما يتداول في هذه الولاية، فالمنتجات الباهظة تباع بشكل منتظم وتتداول بسهولة في أوساط أرباب المال وكبار الناشطين في مجال المضاربة بمختلف أشكالها، وكأن الأزمة ذاتها لم تضرب هذه الفئة أو أنها لم تحدث في الأصل، ففي عاصمة الولاية التي لا يقل سكانها عن 450 ألف ساكن، بينهم حوالي 60٪ من هذه النسبة الإجمالية شباب أقل من 24 سنة، ازدهر نشاط الاتجار العقاري بشيء ملموس بسبب الطلب المتزايد على الأوعية العقارية في الفترة الأخيرة وبدرجة كبيرة “أباطرة المال" الذين ضخوا ملياراتهم لشراء عقارات إستراتيجية وفي مواقع تسيل لعاب الناشطين في هذا المضمار المحتكر من أرباب المال والأعمال المشبوهة، وأردف محدثنا قائلا أن العقار عرف موجة غلاء غير مسبوقة وأنه ليس هناك فيلات تقل عن سعر 4 مليارات سنتيم في المناطق المجاورة لمدينة الشلف، ويرتفع السعر إلى الضعف في قلب المدينة لتصل بعضها إلى سقف 5 و7 ملايير سنتيم، وترتفع بعض الشيء في مدينة تنس الساحلية لتتجاوز حدود 7.5 ملايير سنتيم وهي مبالغ مالية غير قابلة للتفاوض بفعل تكالب الوسطاء العقاريين وتدفق الطلب على مثل هذه العروض العقارية من قبل أرباب المال، وقال أحد الوسطاء في مدينة الشلف إنه يملك عديد الطلبات لاقتناء فيلات ضخمة في الشوارع الرئيسية لعاصمة الولاية وأن معظم الطلبات لمحترفي المضاربة غير المشروعة في العملة الصعبة وبعض المقاولين الذين صعدوا إلى عالم “الرفاهية المزيفة" بشكل مفاجئ. هذه الظاهرة التي دحرجت الطبقة الوسطى لا تقتصر على العقارات فحسب، بل تنطبق على المجوهرات ذات قيمة كبيرة، حيث يتم سحب بنهم كبير أغلى الحلي المعروفة بجودتها العالية الذي يتهافت عليه أصحاب المال على مستوى المحلات الفاخرة في وسط المدينة والتي باتت حكرا على هؤلاء المعروفين باكتناز المال، ليبقى الدور بشكل قليل على النساء المقبلات على الزواج.. هذا المشهد لا يختلف كثيرا عن نشاطي الملابس والساعات والأحذية والعطور من مختلف الماركات العالمية وفقا لتصريحات أحد باعة الملابس الراقية من صنع أوروبي في وسط المدينة، هذا الأخير رسم علامات الاستغراب والتعجب حيال توافد فئات محصورة على أبناء المقاولين المعروفين بوفرة المال وأرباب المال بينهم بائعو الأموال الصعبة في المواقع المعزولة عن أعين الرقابة الأمنية أو الأماكن التي تعج بحركية واسعة، فجلهم يقتنون الملابس الفاخرة التي لا تقل أسعارها عن 1.5 مليون سنتيم وما فوق لتصل أحيانا 40 ألف دينار. وخلص أحد الباعة للقول إن محلات بيع الماركات الأجنبية “محرمة" على ذوي الدخل الضعيف أو أبناء الموظفين العاديين، ولعل ما يعزز هذا الطرح القائم على غرابة الظاهرة هو العدد المتزايد لسيارات رباعية الدفع “4/4" التي تجوب الشوارع وأحياء الشلف، فمعظم أصحاب الشوارع لديهم هذه المركبات التي يفوق سعرها 6 سنوات من رواتب موظف في قطاع الجماعات المحلية أو شريحة المعلمين، وهو ما يوضح الصورة أكثر للتأكيد على أن أرباب المال يسيرون نحو نظام اجتماعي خاص بهم بسبب تباعد المستوى المعيشي بينهم والطبقة الوسطى وشيوع مظاهر البذخ والرفاهية المزيفة وغياب المساءلة القانونية بشأن الثراء الفاحش ومصدره حسب تقديرات بعض القانونيين. في سياق متصل بالموضوع، فإن علامات الثراء المشكوك في مصدره من سيارات فاخرة وفيلات ضخمة وعقارات ومجوهرات وامتلاك أغلى الزوارق جد عصرية في السواحل الغربية، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها ظاهرة خطيرة جدا على التوازن الاجتماعي والاقتصادي وأنها ماضية للقضاء على مقومات الطبقة الوسطى التي لا تقدر على مسايرة غلاء المعيشة. فيما يتلاعب أرباب الجريمة المنظمة كمضاربي العملة الصعبة والاسمنت والحلي و«كراء الأموال"، بمليارات الدينارات وإنفاقها في ميادين محرمة كالملاهي والمواقع “الحمراء"، في الوقت الذي يفترض فيه محاصرة المافيا وجرائمها التي تنمو من سنة إلى أخرى إلى درجة تهديد النشاط الاقتصادي القانوني.