كل الذين أعرفهم من أصدقاء الجنوب العاملين في الصحراء أكدوا لي أنه من الصعب الولوج لأي قاعدة حياة أو نفط أو غاز بالمنطقة، وفي عام 2000 طلبت مني يومية صادرة في الغرب الجزائري إجراء تحقيق حول التشغيل في قاعدة للغاز الطبيعي تتولى توزيعه لإسبانيا، تحصلت على الموافقة من الإدارة العامة بآرزيو. أما التنقل فكان أشبه بالتوجه لغوانتنامو. إجراءات في غاية التعقيد .. حواجز متعددة، تصريح بما تحمله، إظهار البطاقة الوطنية والتكليف بالمهمة والإجابة عن أسئلة تخص سبب الزيارة، والتصريح بأسماء المسؤولين الذين ستتوجه عندهم، تفتيش دقيق، ثم دخول لما وراء السياج والانتظار إلى حين قدوم عون أمن يتوجه بك عند أمانة مكتب المسؤول … أووووف في النهاية التقيت المسؤول الذي ثرثر كثيرا وأظهر براعة في الخطابة والوطنية والعمل والتفاني وووو.. بعدها قدموا لي مجموعة من الإطارات التي تسهر على أمن المنشأة وراحة العاملين فيها… كدت أنسى الموضوع الرئيسي الذي توجهت لأجله ففي الخارج وعلى بعد كيلومترات كان الشباب يحتج ويهدد.. طبعا طريقة العمل في منشأة نفطية يكاد أن يكون من أسرار الدولة وأمنها في النهاية يتم تشغيل أشخاص يتورطون في عبور مجموعة إرهابية تقلب الدنيا علينا.. أما الشباب الراغب في العمل وفقط فهو في قائمة الانتظار ..التشغيل في مؤسسات النفط يخضع للرشاوى وأشياء أخرى …حتى المفاتن لها دور كبير في التشغيل. أود القول إن الدخول إلى مناطق محروسة مثل المنشآت النفطية أمر في غاية الصعوبة على أي جزائري بسيط.. يمكن للجماعات الإرهابية وللحرامية وللفاسدين وللصوص والسارقين العبور نحو سوناطراك أو أي مصدر من مصادر البلد باستثناء المواطن الجزائري البسيط. لا يمكن لجزائري عادي أن يدخل منشأة نفطية، وبالمناسبة احتار الكثير من المراقبين في وجود مؤسسات أجنبية بهذا الحجم تتولى الإطعام والمبيت والنقل، فالشركة الفرنسية التي تتولى هذا الأمر لها 4500 موظف وعامل في الجنوب مهمتهم إعداد قهوة “النسكافي” وأشياء أخرى، بينما الشباب في الجنوب من سكان ورڤلة وأدرار وعين صالح ووو الجنوب الكبير يراقب حركة الشمس ودوران الأرض كما يقال.. هنالك عدة أسباب تجعل من الجزائري غريب وغريب جدا في منطقة مثل عين أميناس.. العزلة تجعله غريبا لا يرغب في أن يحمل أي قضية وطنية معه، الجزائري غريب في الجنوب لذلك من السهل عبور المجموعات الإرهابية واللصوص وتجار المخدرات ومافيا الصحراء بكل حرية.. ليس لسكان الجنوب الكثير مما يخشون عليه في جنوبهم، لذلك يمكن لما حدث أن يتكرر. من الصعب على المتتبعين الجزم أن حادثة عين أميناس فعل منعزل عن الوضع العام في الجنوب، هنالك الكثير من النقاش الدائر بين شباب هذه المنطقة عن التهميش وعن التوزيع غير العادل للثروة وعن أشياء أخرى ساهمت في تنامي الإرهاب هناك وظهور قادة نافذين لدى قبائل المنطقة، “طابو” الجنوب لا بد أن يعبر للنقاش في البرلمان وفي الإعلام وفي الندوات ويجد طريقه نحو التجسيد، ليس هنالك من عامل واحد يؤدي إلى ظهور الآفات والظواهر، هنالك أكثر من عامل يغذي القناعات حتى لو كانت متطرفة، في النهاية هي قناعات تعمل على محاولة إثبات الذات، فضلا عن الاستغلال الخارجي ومن أطراف تحاول توظيف تلك الحركات والجماعات لتحقيق مكاسب تعرف من أين تبدأ ومتى تنتهي.