من بين هؤلاء الثلاثة، يمكن أن نعرف من هو المسؤول الذي أوصلنا إلى مانحن عليه الحيط أي الجدار أو المحيط (العام والخاص) أو الرجل البسيط... العود الذي تحقره يعمي! غناء ''بالدبزة''؟! عدد من الأسماء الفنيّة، أو المحسوبة على الفن سمتها العنف، أي ليس فيها من الفنّ غير مانرى في لغة الشارع وهدرة الراعي و''السارح''، فهناك مثلا مغني باسم ''دوبل كانون''، أي مدفع مزودج كمدفع صدام الخارق للعادة الذي لم نره الى اليوم ويفوق مدفع بومرزوق المحجوز بقاعدة فرنسية كما تروي القصص عنه. وهناك آخر اسمه إن لم تخني الذاكرة رضا أم ,16 أي نسبة لميغ 16 من صنع روسيا والتي نواضب على شراء أخواتها وبنات عماتها إلى الآن، ومن الفرق ''العنيفة'' على شاكلة فرقة الشيخ إمام وصاحبه الشاعر فؤاد نجم في مصر، مجموعة باسم ''دبزة''، أصدرت مؤخرا ألبوم ''أشكون فينا المسؤول الحيط ولا المحيط ولا الإنسان البسيط؟ والسؤال بالطبع جدير بالطرح مع وجود 500 ألف مسؤول يتصرفون كالزير لمتكي لايضحك ولايبكي ووسط حمى شديدة الارتفاع للبقاء في المنصب والاستمرار فيه، وعصره كما يعصر الليمون والزيتون لتحقيق أقصى فائدة مادية شخصية. والسؤال، حسب أغاني الفرقة، أن الثلاثة غير معنين بالمسؤولية، وهذا خطر داهم لأن كل ''تابور'' يدور يلزمه ربان غير نعسان مثل سعدان. وبين قوسين هذا السعد مكرر على وزن مسعودان، أي مسعود ومسعود يكون قد فهم أنه لم يعد له مكان بعد المونديال، وأنه حان الوقت والآوان للرحيل لأسباب منطقية، صحية ونفسية، فقد يكون طالب السبعين عاما لم يعد بمقدوره أن يركض كما كان يركض الغزال والبغال وأن كل تعثر سيجعله في حالة صدام مع الجمهور الغضبان... فهو، أي الجمهور لايطيق هزيمة الكرة بعد أن انهزم في كل الميادين التى دخلها؟ وخرج منها ''عريان'' أو فاق بعد أن وجد نفسه في الزقاق! فماذا لو أن غيره ممن يتحملون مسؤولية أكبر فهم كما فهم سعدان فودعونا بسلام، بعد أن بانت نتائجهم، ولم يعد هناك ما بالإمكان أن يقدموه، وخير لهم أن يودعونا قبل أن يفوت الآوان وعودة لتحمل المسؤولية من هو المسؤول عن الوضع الذي وصلنا إليه بعد أن أصبحت البلاد وبشكل مفتوح ومفضوح تظهر وكأنها دولة عصابات متصارعة لكل قطاع، قطاع طرق، ولكل مادة آفة تفوق حفارة الطاطم وميلوديا البطاطة؟ والصدأ الأصفر للقمح؟! خلال الأيام القليلة الماضية، يمكن تتبع ملفات في شكل فضائح اقتصادية ومالية، فبعد سونطراك أم الشركات الضالعة أصلا في الفساد من العهد القديم، جاء الدور على سونلغاز ثم الوكالة الوطنية للأوتوروت وقضية الأوتوروت شرق غرب نفسه، ثم قضية ميناء وهران والتونة الحمراء وأخيرا عادت قضية ال 70 مليارا التي لهفها مسثمر وهمي من وكالة بدر بالتواطؤ مع حرامية البنك، قبل أن يقرر الفرار إلى إسبانيا وهذا بالطبع جزء من جبل أكبر من الهفار في الفساد، رأى فيه بعض ممن يقودون ''البابور'' الهالك حتما إن سار بهذه الطريقة أنه علامة صحية بكشفهم المستور بعد أن ظل إلى حين في القبور لايعلمه إلا علام الغيوب، وبعض الجيوب وإن سكتت القلوب. الأجوبة المؤكدة، كما تقول فرقة الدبزة (من أجل الخبزة)، قدمت الجواب كمايلي: المواطن العادي الذي لم يتأخر أبدا عن موعد الانتخابات، ولم يشتر أبدا الغاز ولا باع البترول، ليس مسؤولا عن هذه الوضعية، يبقى الآن الحيط وإلا المحيط ليس بمعني البحر، وإنما بمعنى الجو العام السائد؟ أمّا الحيط، فقد يكون ضحية إذا ما استند عليه الحيطيست ممن يمارسون مهنة الانتظار حتى يذهب للدار (الآخرة)، فهو ينتظر أن يعمل وإذا عمل يسكن، وإن سكن يتزوج ثم ينجب ثم يربي.. وهذا أقل مايحتاجه لنتساوى على الأقل مع معشر الحيوان. وقد يكون العكس فيأخذ مفهوم الجدار الذي لاينفع معه لا إعصار ولا نار وكل من احتمى به فهو آمن... إلا إذا سقط أو انهار، فقد يتابع على طريقة ''اللي اكلا ايخلص'' فهل يكون المحيط هو السبب؟ أغلب الظن أنه عامل مساعد فقط... فإن وجد أحدهم من ضعاف الأنفس نفسه بين عصابة سوء صار منهم... وعلى أية حال لايعرف الزنديق غير الزنديق... وليس هناك أعرف بالسارق من السارق الآخر نفسه؟ حل على الورق!! مواطن صالح على مايبدو راسل أحد الولاة وألح عليه أن يستقبله لكي يعرض عليه خطة لإصلاح الإدارة في إحدى مجالاتها على الأقل، وهي استهلاك الأوراق، وليس الوقود والنفوذ! والحكاية كما سمعتها أن المخترع اقترح على الوالي في جلسة خاصة بعد وقت طويل من الانتظار استخدام نصف ورقة مثلا بدل ورقة؟ عند الكتابة أو الطبع، مما سيجعل مخزون شهر يدوم لشهرين! وبالطبع فإن الوالي الذي كان ينتظر معجزة غضب من المخترع فقام بطرده؟ لأنه ضيع له وقته في شيء ''فاضي'' وواهي! والأصل أن التفكير بهذه الطريقة هو الأسلم والأصح، لأنها واقعية ... أقرب الى عقلية التاجر الذي يسأل أولا عن الدينار قبل المليون، باعتبار أن كل من يفرط في الدورو يبقى في مستوى الزيرو.... فهو جمعا يصبح ثروة... والثروة إن وجدت الحيط الصحيح والمحيط كما تقول جماعة الدبزة التي لاتقرأ ولاتكتب تنتج تقدما علميا في مختلف المجالات... فلماذا لم يتحقق كل هذا وبدل ذلك انتشر الفساد وتمسأل من لايستحق ولا أعطي المال والنفوذ بغير حق؟ ثمة إقرار عام حاليا في النظريات السياسية الحديثة على كون المواطن وليس متخذا صفة الغاشي الراشي قد يكون حجر الأساس في تقويم الرياس؟ وهذا بالاعتماد على الحديث البنوي الشريف... كما تكونوا يولى عليكم''! فإن كنتم لئاما حكمكم اللئام والرعيان وإن كنتم كراما حكمكم أولاد الحلال ممن بينهم وبين الحرام آلاف الأميال. وهذا الأمر يمكن التأكد منه من خلال موقفين شعبيين : الموقف الأول أن الجزائري عادة إن خير مابين إبن العائلة والمثقف والكفئ في أية مناسبة انتخابية، فإنه يميل عادة للأكثر جهلا وأمية وحيلة، وفلسفته في هذا الباب قائمة على فكرة أن أولاد الحرام يلزمهم واحد مثلهم يفهمهم وهو مايؤدي إلى نفس الأوضاع التي نراها في السجون وهذا بعد أن يختلط المحترفون بالمبتدئين فيأخذون عنهم دروسا نظرية يطبقونها فيما بعد! الموقف الثاني: أن كل واحد كان يسمع في السابق بسرقة في بنك أو شركة يجزم بأن فاعلها ''قافزا''، أي نبه فطن ويقظ أكثر من عباس (ولد فرناس) الجزائري صاحب التضامن أو عباس مثقوف الرأس رئيس السلطة الفلسطينية وهو يتمنى أن يكون مثله أو يأتي دوره! ويكون هذا الشعار قد خفت حدته بعض الشيء بعد أن تبين للكثيرين بأن مجال اللعب مغلق بين الإخوان والسادة والسيدات و''الكولاف''، إلا إذا كان من باب إدخال الواحد للحس معهم قبل كنسه ليصبح المتهم الرئيسي ويختبئ الفاعلون الحقيقيون كالخفافيش؟ فهل هذا سبب رئيسي في جعل حزب الفساد غير قابل للاختراق؟ هذا الوضع يجعل من الصعب جدا تحريك الأشياء باتجاه أن تنقشع الأجواء، مما يفتح المجال للتعبير عن الوضع بأشكال أخرى كما يفعل المصريون هم أيضا مع نظام مثل نموذجا للفساد عند العرب بدءا من الأغاني وترديد الأشعار، إلى الاعتصامات للمطالبة بالكرامة والخبز وتعديل الدستور ورفع حالة الطوارئ ولايقابلها المفسدون إلا بمزيد من التعنت أو الهروب من الحاجة لتقديم كراع جاجة أو العصا عند الحاجة، إلى إلهاء الناس بمسائل اللحية والحجاب وبسبور البيومتر وهم في هذا غارقون حتى الأذنين باعتبارها مسائل هامة جدا تفوق اغتصاب المال وخصي الرجال، فكم هم جهال؟!