آلاف الملايير مجمدة في البنوك دون استثمار انتقد رئيس الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية حبيب يوسفي "العشوائية" التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني، والافتقار إلى أي نظرة إستراتيجية، مؤكدا أن الجزائر التي تبنت شكليا نظام اقتصاد السوق لا تنتمي إلى أي من فروع اقتصاد السوق المعروفة دوليا، سواء كان اقتصاد السوق المنظم أو المفتوح أو ذا الطابع الاجتماعي، وهو ما أبقى حسبه الاقتصاد الوطني في ذيل الاقتصاديات المنتجة والمبتكرة في العالم، وتابعا بنسبة كلية لقطاع المحروقات. واتهم يوسفي لدى نزوله ضيفا على منتدى "البلاد" بعض الوزراء بسوء التسيير والافتقار إلى مؤهلات قادرة على النهوض بالاقتصاد الوطني، رغم امتلاكه كافة الإمكانيات المادية والبشرية ليصبح منافسا لأقوى اقتصاديات العالم، مشيرا إلى أن بعض الوزارات مازالت تسير بعقليات اشتراكية تجاوزها الزمن، لا تحسن سوى دفع إيرادات النفط على فواتير الطعام والغذاء واللباس، من الصين ودول أخرى لا تملك ما نملكه نحن. واستنكر المتحدث تغني بعض المسؤولين بإنجازات تنحصر في البنى التحتية كالسدود والطرق السريعة وشبكات النقل، في حين أن الجزائر بعد خمسين سنة من استقلالها تدفع ما تجنيه من وراء نفطها على وارداتها من الغذاء. وتساءل في هذا الصدد عما أنجزته المؤسسات العمومية على مدار سنوات من احتكار النشاط الاقتصادي، وما جنته الحكومة من فائدة من وراء التسهيلات الكثيرة التي قدمتها لهذه المؤسسات، بإلغاء ديونها وإعفائها من القيود الضريبية والعراقيل البيروقراطية. وأكد ضيف "البلاد" إمكانية تجاوز وضعية التبعية الكلية لقطاع المحروقات، ولكن الوقت يعمل ضدنا، وبالتالي على الحكومة أن تتحرك عاجلا لإعادة تنظيم المحيط الاقتصادي المختل، والحد من احتكار المؤسسات العمومية للسوق الاقتصادية الوطنية، وفتح المجال أمام المؤسسات الخاصة الصغيرة والمتوسطة باعتبارها محرك النمو الصناعي وعمود الابتكار والمنافسة البناءة. وأوضح أن المحيط الاقتصادي قادر على استيعاب 800 مؤسسة صغيرة ومتوسطة، غير أن عددها الحالي أقل من النصف، إذ يراوح ال350 مؤسسة. كما دعا إلى تخفيف الأعباء الضريبية والبيروقراطية المفروضة على المؤسسات الخاصة، إلى جانب مطالبته بفك الحصار المالي المضروب عليها من قبل البنوك الوطنية التي تجمد 500 مليار دينار دون أن تقوم باستغلالها، حيث ترفض منحها قروضا أو الدخول معها في شراكة استثمارية، بحجة أن الربح غير مضمون وبعيد المدى، في حين تغدق القروض على مؤسسات الاستيراد لإغراق السوق بالخردة الصينية والكيوي والموز اللاتيني، لأن تقبض فوائدها في وقت قياسي. ورفض المتحدث تقليل بعض المسؤولين من قدرة الشركات الخاصة المحلية على المنافسة وتسليم المشاريع في آجالها مقارنة بالمؤسسات الأجنبية، مرجعا التأخيرات المسجلة في الإنجاز إلى العراقيل البيروقراطية المفروضة على الشريك المحلي، مقابل التسهيلات الممنوحة على طبق من ذهب للشريك الأجنبي، معتبرا اتهام بعض المسيرين للمؤسسات المحلية بعد توفرها على الخبرة دليلا على سوء تسييرهم، لأن الجامعات الجزائرية تخرج سنويا آلاف الخبراء المشهود لهم بالكفاءة في أكبر الجامعات الدولية. "السوسيال" هو السبب الرئيسي في ركود الاقتصاد وغياب التنمية اعتبر حبيب يوسفي، رئيس الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، أنّ البيروقراطية والذهنيات التي تقوم على مبدأ "الاشتراكية لا رجعة عنها" والتي لا يزال يحملها العديد من المسؤولين الجزائريين، خاصة الوزراء، تحول دون تحقيق أي تقدم منذ 50 سنة من الاستقلال. وأجزم المتحدث بأنه ما دامت سياسة "السوسيال" راسخة ومتبعة من طرف السلطات فلن يحدث تغيير على المستوى الاقتصادي والتنموي للجزائر. وطالب يوسفي بضرورة تحديد معالم اقتصاد جزائري يقوم على أسس اقتصاد السوق، والخروج من حلقة مفرغة يعيشها الاقتصاد الوطني منذ حوالي 50 سنة، قائلا إن الإرادة السياسية موجودة لدى الدولة، ولكن هذا لا يكفي حسب المتحدث الذي أضاف أنّ على الجميع محاربة العوائق التي تحول دون ذلك، وذكر منها ذهنيات الاشتراكية التي تجاوزها الزمن والبيروقراطية السائدة حاليا. وأكد رئيس الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية على ضرورة إعادة النظر في معالم الاقتصاد الوطني، وأشار إلى أن الجزائر منذ سنة 1964 وإلى يومنا هذا مازالت تبحث عن نموذج محدد لاقتصادها، حيث اعتبر أن انتهاج المذهب الاشتراكي في فترة ما بعد الاستقلال هوأمر مبرر نوعا ما، على أساس واقع داخلي وخارجي في تلك الفترة، داعيا السلطات العمومية إلى الإسراع في الخروج من مرحلة التردد التي قال إنها أثرت بشكل كبير على أداء المؤسسات العمومية على وجه الخصوص. وفي هذا الاتجاه، أكّد يوسفي أنّ البعض يصوّر نموذج اقتصاد السوق على أنّه وحشي وخطير على الجزائر، ولكن الحقيقة غير ذلك، وأن اقتصاد السوق له نماذج عدة منها النموذج الوحشي والنموذج ذو الطابع الاجتماعي الإنساني وهو النموذج الذي رأى أنّه الأقرب للخصوصية الجزائرية. كما أكد من جهة أخرى أن مسألة اختيار معالم الاقتصاد الجزائري يجب أن تتم في إطار تشاوري، قائلا إن الدولة لاتزال لحد الآن ضحية إدارتها البيروقراطية، إلا أن سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي كان مبررا كافيا للسلطة الجزائرية لإيجاد نموذج اقتصادي جديد يخرج الاقتصاد الوطني من دوامة الانهيار التي بدأت في الثمانينيات. ورغم الانفتاح السياسي في التسعينيات لم يتبعه انفتاح اقتصادي، فالمشكل المطروح حسب حبيب يوسفي سياسي. فهو يرى أن الجزائر السلطة فكرها منحصر في "السوسيال"، والمساعدة والتدعيم، فأكبر مشكل هو أن الانفتاح السياسي لم يأت بانفتاح اقتصادي، وهذه السياسات لا تنفع اليوم في جزائر 2013. وتابع يوسفي قائلا "أؤكد وبصراحة أنّ أكبر مشكل في الجزائر هو فكر "السوسياليزم" وذهنيات "الاشتراكية"، الذي يساهم في تدهور وتأخر الاقتصاد الوطني يوما بعد يوم. وأشار يوسفي إلى أن عدد المؤسسات الذي يقدر بحوالي 450 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة غير كاف بالنظر إلى حجم المشاريع المبرمجة، إلى جانب المخططات الهادفة إلى استيعاب أكبر عدد ممكن من البطالين، وأنّه يطمح إلى رؤية 800 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة ناشطة بالجزائر على الأقل. من جانب آخر، أشار يوسفي إلى أن الإشكال المطروح أمام "الثلاثيات" التي تعقد من حين لآخر بين الحكومة واتحاد العمال الجزائريين وأرباب العمل، هو عدم وجود تكفل جدي بتجسيد القرارات المنبثقة عنها. "الجزائر لا تمتلك إستراتيجية اقتصادية واضحة" رأى رئيس الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، حبيب يوسفي، لدى حلوله ضيفا على منتدى "البلاد" أن الجزائر لا تمتلك حاليا رؤية واضحة ولا حتى إستراتيجية حول آفاق التنمية الاقتصادية. وأبدى يوسفي عن قناعة تامة بأن الجزائر تفتقد رؤية وإستراتيجية واضحة ومحدّدة، ودليله في ذلك أن الحكومة تقوم بإعداد السياسات الاقتصادية ومراجعتها كل سنة، ليضيف أن الإستراتيجية التي يدافع عنها هي تلك التي تساهم في استغلال القدرات والإمكانيات الوطنية المتوفرة. القطاع الخاص هو "دينامو" حل المشاكل الاجتماعية القطاع الخاص هش جدا وبحاجة إلى دعم مادي كبير يرى حبيب يوسفي أنّ القطاع الخاص هو "دينامو" حل مختلف المشاكل الاجتماعية، بما في ذلك المشاكل التي احتجّ عليها الشباب في منطقة الجنوب في الأيام الماضية، خصوصا البطالة التي تعاني منها شريحة كبيرة من الشباب في الجزائر. واعترف المتحدث بأنّ القطاع الخاص يعاني من هشاشة كبيرة ولم يكن قط هشا كما هو الحال اليوم، بحيث وقع القطاع الخاص ضحية المستثمر الأجنبي. وأكد رئيس الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، أن القطاع الخاص في الجزائر يشكو من ضعف كبير فيما يتعلق بدفع عجلة النمو والارتقاء إلى المستوى الحقيقي الذي ينبغي أن يكون عليه كواحد من أهم عوامل خلق الثروات، ومن ثمة فهو بحاجة ملحة إلى دعم قوي من السلطات المعنية من شأنه أن يقودنا إلى إيجاد حلول لبعض المشاكل الاقتصادية واستقرار الجبهة الاجتماعية. وذكر حبيب يوسفي أن الخلل يكمن في غياب القطاع الخاص وغياب الحوار الدائم بين الجهات المعنية، بالإضافة إلى ضعف دور المؤسسات المصرفية، مؤكدا على ضرورة الإسراع في رسم إستراتيجية قوية وتخصيص الدعم المادي وتجنيد كافة الإمكانيات لإعادة الاعتبار للقطاع الخاص.