لطالما كان الصحفيون في الجزائر في قلب المدفع، يحيط بأرواحهم الخطر في كل خطوة يخطونها بحثا عن الحقيقة لإيصالها للمواطن، لا تمنعهم عن ذلك أيادي الغدر والاغتيالات القذرة التي استهدفت العديد من أبناء المهنة، من أجل إسكات صوت الحق، فالعشرية السوداء اغتالت 96 من رجال السلطة الرابعة في الفترة الممتدة من 1993 و1997. وكانت سنتي 1993 و1994 الأكثر دموية بالنسبة لقطاع الإعلام، راح ضحيتها 34 عاملا من بينهم صحفيون، مراسلون، مصورون، مدراء تحرير، مصححون وحتى سائقين. وأول شهداء مهنة المتاعب، كان الطاهر جاووت الصحفي بالأسبوعية الناطقة باللغة الفرنسية "لاكتوياليتي"، والذي سقط ضحية رصاصات الغدر سنة 1993، ولم تتوقف المجزرة عند جاووت، إنما اختلفت من بعده الأسماء ولكن أن يقضي الصحفي أجله رميا بالرصاص، بشظية سيارة مفخخة، بقنبلة تقليدية الصنع، أو مذبوحا من الوريد إلى الوريد فالموت واحد والقائمة طويلة... مصطفى عبادة مدير التنلفزيون، محمد عبد الرحماني مدير عام يومية المجاهد، سعيد مقبل مدير يومية لوماتان، اعمر ورتيلان رئيس تحرير الخبر، رابح زناتي، رشيدة حمادي، يوسف سبتي، إسماعيل يفصح، مليكة صابور، عبد الوهاب حروش، سعد بختاوي، كلهم دفعوا الثمن بأرواحهم لا لشيئ سوى أنهم تمسكوا بأداء واجبهم بكل موضوعية. وبالرغم من الفاتورة الباهظة التي دفعتها الصحافة الوطنية من دماء أبنائها، إلا أن التهديدات المتربصة بأرواح الصحافيين ضلت دائما قائمة، ففي أواخر سنة 2001 شيّعت الصحافة اثنين من أبنائها، في أحداث العنف التي شهدتها منطقة القبائل بين قوات الأمن والعروش، وتوفي فيها صحفي يومية "البلاد" عادل زروق، وزميل له من جريدة "اليوم". وحتى مع الاستقرار النسبي، الذي نعمت به الجزائر بعد عشرية من الدم والخراب بتبني ميثاق المصالحة الوطنية، لم تتوقف أيادي القتلة عن تصويب غلها نحو صدور الصحافيين، مثل ما حدث للزميل المراسل أحمد نزار الذي اغتيل أمام بيته في بومرداس شهر ماي 2011، لأن تخصصه في الكتابة عن الجماعات الإرهابية بالمنطقة أزعج الأخيرة فوضعت حدا لحياته. واليوم شمعة أخرى تنطفأ في سماء مهنة المتاعب، برحيل الزميل أمين تومي، الذي قضى في انفجار قنبلة زرعها الإرهابيون في طريق الأبرياء، ... أمين، ربما لست آخر من يسقط شهيدا في سبيل قول كلمة الحق وتعرية المستور، والإشارة للظالم والوقوف إلى جانب المظلوم، ستعرف مهنة المتاعب شهداء بعدك، ولكن لن يستطيعوا إسكات صوت الحق، ولا يسعنا إلا قول "إنا لله وإنا إليه راجعون".