انتهزنا فرصة، تواجدنا بالعاصمة النيجيرية أبوجا، إثر تغطيتنا للمؤتمر الإفريقي للتضامن مع القضية الصحراوية، للتجول بالبلدة، ومعرفة خصوصياتها، خاصة في ظل كل الحديث الذي سمعناه عنها، قبل الوصول إليها، فرغم أننا في قارة واحدة، إلّا أن الشعوب لا تعرف بعضها، إلا من خلال كرة القدم، في الكأس الإفريقية، أو التّصفيات لنهائي كأس العالم. بوكو حرام لم تمنع نيجيريا من ال3G والمزاج العام عطّلها في الجزائر؟ حاولنا التّقرب من المواطنين النيجيريين، ومعرفة هل يستخدمون تقنية ال3G، وهل هي موجودة أصلا، فاستغربوا من السؤال، حيث أكّدوا أن بلدهم يستخدم هذه التقنية منذ حوالي أربع سنوات، وأنهم كانوا يعتقدون وقت انطلاقها أنهم متأخرون عن العالم، وحسب "بابا ميتوسو"، رئيس النقابة النيجيرية للشغل، فإن ال3G، متاحة في كل فدراليات بلده، أي كل المحافظات والبلديات، وأنها مجانية، ولا يدفع المستهلك فيها نيرة واحدة، مشيرا إلى أنها خدمة توفرها الدولة للمواطن، لتسهيل التواصل، في ظل هيمنة التكنولوجيا على الحياة اليومية بالعالم كله، وليس بإفريقيا فقط، كما أكد أن كل متعاملي الهاتف النّقال متساوو الحق في إتاحة هذه الخدمة لمشتركيهم، وبنفس القسط والمميّزات، وحينما ردوا لنا السؤال قائلين "أنتم في الجزائر أكيد تستخدمون ال4G" بحكم أنكم في الشمال، فأجبنا بأننا لم نصل إليها بعد، وأننا في الوقت الراهن بصدد التحضير لخوض تجربة ال3G، فاستغربوا وسألونا عن سبب التأخير، الأمر الذي جعلنا نغير موضوع الحديث لعدم امتلاكنا إجابة عن سؤالهم الأخير. إن الصورة العامة التي يشكّلها العالم عن نيجيريا، بأنها بلد غير آمن ونشاط الجماعة المسلحة المنضوية تحت اسم "بوكو حرام"، لم تمنع هذا البلد من الخروج بشعبه نحو متطلبات العصر بمختلف جوانبه. النيجيري وعقدة الصورة .. وجدنا أنفسنا ونحن نتجول في بعض شوارع العاصمة النيجيرية أبوجا، في مشاكل عديدة، بسبب التقاطنا لصور لمعالم، كالمساجد والكنائس، وغيرها من المنشآت التي تستقطب أي صحافي، أو بالأحرى أي زائر لهذا البلد الإفريقي الذي لا يمكنك فهم سيرورة الحياة فيه، في ظرف يوم أو يومين، حتى أنك تضيع هل هو شعب منفتح، على العالم، بحكم انفتاح الحياة فيه، أو منغلق، حينما يمنعك مواطن نيجيري بسيط من تصوير أي منطقة، اعتدنا في الجزائر، أن يمنعنا رجال الأمن، ولكن الغريب الذي يصادفك في أبوجا، هو العنف الذي تواجهه من النيجيري، حينما يلمحك تلتقط صورة لمعالم بلده، لم نفهم سبب ردود الفعل تلك، التي عكّرت علينا المهمة، حيث واجهنا أكثر من مشكل، في أكثر من مناسبة، حتى أننا اعتقدنا أنه من الممنوع، إخراج كاميرا التصوير هناك، كل شيء ممنوع، حتى الأطفال يأبون أخذ الصور، عكس أطفال العالم؟، ولكن هذا لا يمنع أننا صادفنا بعض الحالات الشاذة عن الغالبية، هناك ممن لم يعترضوا، على حملنا للكاميرا. حتى نيجيريا تستغرب من السّكوار! بدأت رحلتنا للبحث، عن بنك لصرف العملة، حال وصولنا إلى الفندق، الذي يتواجد بوسط أبوجا، بعدما أعلمتنا المتصرّفة، فيه، أن المبلغ الذي لديها الحق في صرفه قد، نفذ، ففي نيجيريا، لكل مصرف مبلغ معين، لا يجب أن يتخطاه في اليوم، فوجّهتنا إلى بنك، غير بعيد عن الفندق، لنتوجه نحوه فوجدناه مقفلا، أمام ذلك البنك، يوجد مركز تجاري، سألنا هناك هل يمكننا صرف العملة، فأرسلوا معنا مرافق، ليأخذنا إلى مصرف خارج المركز، تخيلنا في تلك اللحظة، أننا سنشتري النيرة النيحيرية، من سوق سوداء، خاصة بعدما أخذنا ذلك الشاب إلى كشك صغير يبيع التبغ والجرائد، بجوار أحد الأسواق التجارية، وحينما سألنا صاحب الكشك، أكد بأنه يعمل بطريقة قانونية، وأن نيجيريا، تفتح المجال لكل شخص يريد العمل في مبادلات العملة، حتى أنهم استغربوا أنه لدينا شارع في الجزائر، اسمه "السكوار"، مخصص لبيع العملة بطريقة غير قانونية، وهو نفس الأمر الذي لاحظناه خلال زياراتنا السابقة، إلى مصر، ماليزيا، وحتى غزة الفلسطينية، التي تعيش طوال الوقت في أزمات خانقة، سياسيا واقتصاديا، إلا أنها تحتوي في كل شارع تقريبا على مصرف على الأقل فلا يتعب الساعي لتغيير عملته، إلا في الجزائر. نيجيريا .. رئة إفريقيا وشريانها "المسدود"! تبهرك وأنت تسير في شوارع أبوجا، الخضرة التي غطت كل مكان، أشجار فريدة، ونباتات نادرة حسب ما أكده لنا أحد المختصين هناك، أرض اكتست بزيها الأخضر، لتحكي عن استحقاقها لتنال لقب قلب إفريقيا، فرغم هواء هذا البلد الرّطب، إلّا أن الأكسجين النقي الذي تستنشقه عليها من كثرة الخضرة، ينسيك تعب الرطوبة العالية، فقد استطاع هذا البلد أن يجمع بين غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية، والعمار الإنجليزي، والسّمرة الإفريقية، التي تحكي معاناة شعوب هذه القارّة طيلة السّنون والعقود الماضية، من الاحتلال الذي توالى عليها، والاستعباد، والظلم، الذي أكسب هذا الشعب، الأنغلوساكسوني، ميزة قد تجعله ينفرد بها عن باقي الدّول الإفريقية، من خلال جملة التناقضات التي جمعها هذا البلد، الذي تزين أسواقه مختلف أنواع الفواكه، التي لم نسمع عنها في شمال إفريقيا، حتى إنك قد تتفاجأ من حجم حبة الأناناس التي تزن ضعف الذي نستورده من أوروبا، بثلاث مرات، وغيرها من الخضروات والفواكه التي لا تجدها إلا في إفريقيا، التي كانت ولاتزال دولها محل مطمع للكثيرين. سوداني محبوب النيجيريين وغريم دروغبا في النجومية بإفريقيا في سؤالنا لبعض النيجيريين ممن التقيناهم، والمتعلق بمن سيناصرون منتصف نوفمبر الجاري، في المباراة الحاسمة التي ستجمع الفريق الجزائري، بنظيره البوركينابي، انقسم الشارع النيجيري بين مناصر لجارته السمراء بوركينافاسو ومتعاطف مع تجربتها الأولى التي تسعى لخوضها، في نهائيات كأس العالم التي يرونها قد تثمر مفاجأة إفريقية جديدة للعالم، كتلك التي حقّقتها غانا، في النهائيات الأخيرة بجنوب إفريقيا، كما مال البعض إلى مناصرة فريقنا الوطني، الذي يضم عدد من النجوم، وما لفت انتباهنا، تكرار اسم اللاعب الجزائري سوداني، الذي يلقبه عشاق كرة القدم بنيجيريا، بالفهد، ويعول عليه حسب تصريحاتهم في المباراة التي فضلوا تسميتها ب"المعركة" الحاسمة لبلوغ النهائيات، حتى أنهم يرون بأن سوداني يسير على خطى الإيفواري دروغبا، في النجومية بالقارة السمراء. وقد برّر هؤلاء مناصرتهم للجزائر، بأنها تستحق التأهل "لأنها ستعطي وجها مشرفا للكرة الإفريقية، مثلما فعلت في مباراتها ضد إنجلترا رغم فشلها في افتكاك بطاقة التأهل للرّبع نهائي".