وسائل التواصل الاجتماعي أنجح فضاء لجمع التبرعات الخيرية لمحتاجيها في الوقت الذي لم تعد فيه المساجد تقوم بعمليات جمع التبرعات لصالح المحتاجين أصبحت الجمعيات الخيرية وصفحات الفايسبوك هي الحاضن حيث أصبحت هذه الأخيرة تنشر حالات خطيرة ويصعب علاجها رغبة في المساعدة واستعطاف المحسنين وذوي القلوب الرحيمةو إلا أن هذا السلوك جعلنا نطرح العديد من الأسئلة أولها أين المساجد ومجالس سبل الخيرات من هذه العشوائية في الجمع؟ وهل للمجتمع المدني الحق في القيام بهذا السلوك مخالفا المادة 29 من قانون الجمعيات؟ استطلاع: مغزوز أحلام حملات المساعدة عبر الفايسبوك مجرد وهم.. إحدى الزميلات في مجال الإعلام وهي بصدد تحضير عمل ميداني زارت عائلة معوزة تعيش عناء كبيرا. تتكون الأسرة من خمسة أفراد، أب يعاني السرطان وطفلين معاقين يبلغان من العمر 4 سنوات و8 سنوات، إلا أن العائلة فضلت عدم الظهور عبر القناة حفاظا على كرامتها ما جعل الزميلة تنشر هذه الحالة عبر صفحتها الشخصية على الفايسبوك. وما أكدته لنا أنها تلقت العديد من الاتصالات من الراغبين في المساعدة حتى من خارج الوطن، تطلب الحساب الجاري للأب من أجل تقديم المساعدة ما جعلنا نحاول الاتصال به فلم نتمكن من ذلك، اتصلنا بأخته التي أكدت أن العائلة لا تزال تعاني نفس المشاكل وأنها لم تتلق أي مساعدة على حد علمها ما جعلنا نتساءل عن وهمية هذا العالم من حقيقته!! وهل تتجاوز الأفكار هذا العالم إلى الواقع أم تبقى مجرد أوهام أو وسيلة من وسائل الاستغلال التي تستعملها أطراف لإظهار كرمها وجاهزية تقديم المساعدات لتضمحل بمجرد الخروج من هذا العالم الأزرق. تواصلت "البلاد" مع العديد من الصفحات التي تبنت هذا السلوك إلا أن مسيريها أكدوا أن التفاعل لا يخرج عن نطاق الفايسبوك ولا يتعداه إلا إلى بعض المساعدات القليلة والوعود الكاذبة. قال مسير صفحة إن البعض يقومون بنشر حالاتهم دون استطاعتهم التأكد من حقيقة الحالات لأن المنشورات كثيرة وتتطلب مختصا للتعرف على صحة الوثائق إلا أننا ننشرها وكل شخص يتحمل وزره. مجالس سبل الخيرات تعرف خمولا بسبب جهل الناس لها انتشرت ظاهرة جمع المساعدات لصالح عائلات محتاجة على نطاق واسع لأن هناك حالات بحاجة إلى عمليات تكلف صاحبها أموالا طائلة حيث تبناها المجتمع المدني من جمعيات خيرية وصفحات رسمية وغير رسمية على الفايسبوك هدفها الأول استعطاف قلوب المواطنين نظرا إلى البذرة الطيبة المزروعة بداخله، بينما الأولى لمؤسسة المسجد أن تقوم بهذا الدور حفاظا على هذه الأموال والمساعدات من الاستغلال السلبي، جعلنا هذا التساؤل نتنقل إلى مجالس سبل الخيرات بالعاصمة وضواحيها وهي مؤسسة تابعة لمؤسسة المسجد يقوم بجمع تبرعات الناس وصدقاتهم لتنقل إلى المحتاجين وطالبي المساعدات من فقراء الحي أو البلدية، إلا أن هذا المجلس يعرف خمولا مشهودا حسب رئيسه بولاية تيبازة السيد محمد خثير لأنه لم يعد يستقبل مساعدات من هيئات رسمية كالجمعيات الخيرية أو الأشخاص العاديين ويرجع ذلك ربما إلى جهل الناس بوجود هكذا هيئة لتقتصر المساعدات وتبرعات الزكاة على صندوق الزكاة الذي يقوم بدوره بمساعدة المحتاجين والفقراء، غير أنه يرتبط بفترة معينة عكس مجلس سبل الخيرات الذي ينتظر المساعدات طول أيام السنة. المكلفة بالإعلام على مستوى وزارة الشؤون الدينية تؤكد أن مجالس سبل الخير تنشط بشكل كبير في العديد من الولايات حيث تقوم بالختان والزواج الجماعي بالإضافة إلى التكافل تزامنا مع الدخول الاجتماعي والمساعدات التي تقدمها للمحتاجين ذوي الدخل المحدود خاصة الذين هم بحاجة للقيام بالعلاج أو عمليات تكلف صاحبها النفس والنفيس فيكون سكان الحي أو البلدية على استعداد تام لهذا النوع من المساعدات والتبرعات. انتقلنا إلى المجلس العلمي التابع لمديرية الشؤون الدينية لولاية تيبازة لمعرفة رأي الشرع في هذا السلوك الذي رغم إيجابيته إلا أنه في كثير من الأحيان يأخذ منحى سلبيا تستغله بعض الأطراف لصرف هذه الأموال في وجهات أخرى، فأكد أعضاؤه أن العمل الخيري هو بذرة مزروعة داخل كل إنسان والجزائريون معروفون بالتكافل والتآزر في الأفراح والاحزان لذلك لا يمكن لأي احد أن يمنع العمل الخيري عن أي جهة، إلا أن تقنين العملية مهم جدا حتى لا تأخذ هذه المساعدات منحا سلبيا وتصرف فيما يؤذي العباد والبلاد ويستحب أن تكون بصورة منظمة، يكون الجمع مرخصا وعن طريق حساب جار مراقب من طرف هيئة مختصة لضمان أموال الناس من الضياع أو الذهاب إلى جهات أخرى. كما أن المجلس لا يرى عيبا في أن تنشر صفحات رسمية لجمعيات أو هيئات خاصة طلب مساعدات فهي تحتاج إلى أن تشهر لنفسها حتى تستقبل مساعدات وتبرعات من جهات مختلفة. كما لا يمكن اعتبار هذه الظاهرة نوعا من أنواع التسول لأنها تختلف عنه تماما، تقوم بها مجموعة من الناس هدفه تقديم المساعدة إلى الآخرين وليس المحتاج هو من يطلب ذلك بنفسه. مساعدات تجمعها الجمعيات دون تراخيص تنص المادة 29 من قانون الجمعيات على إمكانية أن تكون للجمعيات عائدات أخرى زيادة على الموارد المنصوص عليها في المادة 25 من هذا القانون والمتمثلة في اشتراكات أعضائها والعائدات المرتبطة بأنشطتها، والهبات والوصايا والإعانات المحتملة التي قد تقدمها الدولة أو الولاية أو البلدية، إلا أن عملية جمع التبرعات تأتي من جمع تبرعات علنية مرخص بها حسب الشروط المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بها. ويتعين عليها أن تصرح للسلطة العمومية المختصة في نهاية جمع كل تبرع بالحصيلة. ورغم ما تنص عليه المادتان السابقتان إلا أن الجمعيات اصبحت تنشط خلافا لذلك حيث اصبحت تقوم بجمع تبرعات من أجل مساعدة عائلات أو من يحتاجون إلى مساعدات مالية لإجراء عمليات أو العلاج في الخارج فتشرع هذه الجمعيات في نشر منشورات على المواقع الاجتماعية تشرح الحالة وما تحتاجه بالضبط مع رقم هاتف ورقم حسابه الجاري لشحن المتعاملين وتحريك عواطفهم فيشرعون في الاتصال بالجهات المعنية جاهلين حقيقة المنشور أو حقيقة الجهة التي نشرت ذلك. ورغم أن بعض النوايا تكون حسنة إلا أن العديد من أصحاب النوايا السيئة يستغلون الفرصة.اتصلت البلاد بإحدى الجمعيات الخيرية التي رفضت أن نذكر اسمها مستفسرين عن مخالفتها لقانون الجمعيات الذي ينهى عن جمع التبرعات غير المرخص لها إلا أنها أكدت أنها لا تتلقى مساعدات إلا من خلال هذه الطريقة والتي ساعدها التفاعل عبر صفحات الفايسبوك من تقديم مساعدات، وإدخال الفرحة في نفوس العديدين، وأضاف رئيس الجمعية أنها معتمدة وسمعتها ونشاطها الميداني جعل الناس يثقون فينا ويساندوننا. بعض ضعاف النفوس أصبحوا يستغلون أسماء الجمعيات الناشطة فيقومون بالتردد على المنازل حاملين وصفات طبية ووثائق حول حالات خطيرة تتطلب المساعدة فيجد المواطن نفسه فريسة لهؤلاء الأشخاص بينما يكون الهدف من هذا السلوك هو الاستغلال. اختلاف حول هذا السلوك لدى الجزائريين بين معارض ومؤيد.. حسب الاستطلاع الذي قمنا به حول آراء المواطنين فيما يخص هذه الطريقة الحديثة والمتطورة لجمع التبرعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبالخصوص الفيسبوك، تباينت آراء المواطنين بين مؤيد ومعارض، فمنهم من اعتبرها فكرة إنسانية راقية، باعتبارها نابعة من فكر متحضر لشباب المستقبل الذي يسعى لزرع القيم والمبادئ السمحة في نفوس أقرانهم والمجتمع بصفة عامة خاصة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت من العالم قرية صغيرة لسرعة انتشار الأفكار والدعوات من خلالها.. أما المعارضون فكان لهم رأي آخر، قالوا إن هناك بعض الأشخاص ذوي القلوب المريضة أصبحوا يستغلون فرصة شبكات التواصل الاجتماعي لكي يقوموا بسرقة أموال الغير، ويجمعوها لغرض معين ولكنهم يصرفونها في أغراض أخرى. وذهب أحد المعارضين إلى أن الأمر تعدى الموقع الاجتماعي، فهذه الظاهرة وصلت إلى غاية محطات البنزين، حيث أصبحوا يستغلون المواطنين في جمع تبرعاتهم حتى أثناء قدومهم إلى المحطة لتزويد سياراتهم بالوقود، حيث قال لنا: "حدث لي مرة أن دخلت المحطة وإذا بمجوعة اشخاص معهم شخص مقعد، تقدم إلىّ أحدهم فقال لي نحن نجمع التبرعات لهذا الشخص المقعد من أجل ان يجري عملية جراحية بالخارج، فأرجوك أن تساعدنا بالشيء الذي تستطيع، وتكررت هذه الظاهرة في مرات عدة وبمحطات مختلفة". وبالتالي فإن هناك الكثير من الأشخاص راحوا ضحية هؤلاء المستغلين، خاصة أنهم تفاجأوا بأن أموالهم راحت إلى جهات مجهولة وقد تم استغلالهم... وأمام هذه الظاهرة اتصلت "البلاد" بالمديرية العامة للأمن الوطني فأكد المحافظ أنه نظرا إلي هذا الجمع العشوائي للتبرعات لا يمكن لمصالح الأمن أن تمنعه إلا إذا كان هناك أمر من وكيل الجمهورية حتى وإن تعلق الأمر بالجمعيات فليس من صلاحيات الأمن منع هكذا نشاط إلا بإخطار من وكيل الجمهورية كي يمكننا مباشرة التحقيق في الموضوع. تشجيع هذه المبارات مع التزام الحذر.. بما أن الظاهرة أصبحت تعرف انتشارا على نطاق واسع لتتعدى الفايسبوك إلى المحلات ومحطات النقل حيث أصبحت تعلق إعلانات لجمع تبرعات لصالح محتاجين تشرح فيها حالة المرض والحاجة الماسة إلى المساعدة يرفق فيها الإعلان بأرقام الهاتف. تنقلت "البلاد" إلى السيد أحمد بوثلجة مختص في علم الإجتماع فأرجع هذه الظاهرة التي أصبحت منتشرة في مجتمعنا إلى غلاء المعيشة وحاجة المواطنين للمساعدة خاصة في ظل عجزهم عن تغطية تكاليف عمليات أو أدوية أصبحت باهظة الثمن ومرات لا تكون متوفرة بالجزائر، الشيء الذي أدى بالعديد إلى اللجوء إلى هذا السلوك لطلب المساعدة خاصة مع الإدراك التام لطيبة ونبل الجزائري أمام هذه المواقف التي أثبتتها العديد من المناسبات، ولا يخفى أن وسائل الإعلام كانت سباقة إلى هذا النوع من المساعدات عن طريق حصص كانت تبثها الإذاعة قبل سنوات، والتطور التكنولوجي فتح طريقا آخر للتواصل وهو الفايسبوك الذي أصبح وسيلة للتواصل والتعبير عما يعجز عن قوله ولا أحد ينكر إيجابياته، إلا أن البعض من المستغلين أصبحوا يستعملونه لأغراض شخصية وبطريقة سلبية كعرض حالات كاذبة عن محتاجين للمساعدة وترك هواتفهم الشخصية ليتفاعل الناس معه فيقعون فريسة له ولأمثاله في الوقت الذي لا يعلم أحد أين تذهب هذه الأموال المجموعة أو حتى صدق الحالات وحقيقة الوصفات الطبية المنشورة لذلك يجب أن يكون المواطن أذكى من أن يقع في هذه الهفوات، فالعمل الخيري واجب والتكافل وتقديم المساعدة مطلوبان لخلق مجتمع مترابط ومتراص إلا أن هناك العديد من مستغلي الفرص يجب الحذر منهم. أما عن جمع المساعدات باسم جمعيات فيجب على المواطن التنبه إلى حيازة الممثل على رخصة الجمع واعتماد الجمعية. إلا أن السلوك هذا في مجمله حسن ويقوي أواصر المحبة ويساعد حتى على اندماج هذه الفئة في المجتمع والتي يعرف عنها أنها حساسة مع طلب الحذر طبعا.