رغم التجاذبات الدائرة رحاها بين أقطاب التيار الإسلامي على خلفية النزاع حول الشرعية في حركة الإصلاح بين ''شيوخها'' من جهة أو تلك السارية في الاتجاه المعاكس بين حركتي ''الإصلاح'' و''النهضة'' من جهة ثانية، فإن خطوة سحب الشيخ جاب الله الدعوى القضائية ضد غريميه في قيادة الإصلاح الشرعية، تندرج -برأي المقربين- في سياق الانفراج النهائي للأزمة التي قسّمت الحركة إلى صفين وعصفت بحظوظها في كثير من الاستحقاقات السياسية والانتخابية السابقة وربما الآتية أيضا. ويرى كثيرون أن هذه الخطوة أتت لتُذكي نوعا من التقارب المنشود في أوساط التيار الإسلامي الذي يرى عبد الله جاب الله شخصيا ''ضرورة لم شمل الإخوة الفرقاء مع الأوفياء لمبدأ الوحدة ونبذ الفرقة والخلافات بين أبناء التيار الإسلامي المشتت''. كما يصب هذا الموقف - المتسم بالنزعة التصالحية - في خانة تلطيف الأجواء السياسية وتعبيد الطريق أمام حركية حقيقية في اتجاه بناء التحالف الإسلامي على أرض الواقع وتمكينه من لعب دور هام في إطار المجموعة الوطنية وأخذ الحجم اللائق به في المشهد السياسي الفاعل على غرار التحالفات الأخرى وسط التيارين الوطني والديمقراطي. ويبدو أن الوساطات الناشطة بين الإخوة الفرقاء والمساعي الإصلاحية أتت أكلها في انتظار ما ستسفر عنه إرهاصات الدخول بمرشح للانتخابات الرئاسية. مرشح يمكن القول إنه دخل المعترك الرئاسي لخوض مغامرة انتحارية، سيما وقرار حركة الإصلاح بالمشاركة في الرئاسيات جاء في اتجاه معاكس للإخوة في حركة النهضة دون مراعاة لإطار ''التنسيق الإسلامي'' الحديث النشأة بين حركتي محمد بولحية وفاتح ربيعي، فكيف يمكن لمترشح أن يدعي تمثيل التيار الإسلامي إن لم يحصل على إجماع الحلفاء قبل المتعاطفين؟ ومن نافلة القول أن سحب الشيخ جاب الله دعواه ضد الإخوة الفرقاء على رأس الحزب يخدم سياسيا مرشح الإسلاميين جهيد يونسي الذي أبى أن يحذو حذو سياسة الكرسي الشاغر حتى لو قيل إن الترشح يخدمه هو شخصيا في ظل نزاله مع من كان شيخه و''مرجعه'' قبل انقلاب جوان ,2004 تاريخ بداية ما اصطلح عليه ب ''الفتنة'' بين قيادة الحزب وقيادة الكتلة البرلمانية في العهدة التشريعية السابقة. وبادرة الشيخ جاب الله، إن لم يكن المراد منها سحب البساط من ''الخصم'' جهيد يونسي أو تلغيم مسعاه الانتخابي وبسط جناح الفضل، جاءت في الوقت الذي أصبح من كان بالأمس ''ألد خصومه'' في حاجة ماسة إليها، بل حتمية ملحة ستعزز من موقع مرشح الإسلاميين ورفع أسهمه في خوض الاستحقاق القادم. كما يوفر هذا التقارب غير المعلن على تهيئة النفوس للالتفاف حول مرشح ''الإصلاح'' ودعمه في سياق جمع التوقيعات وكذا أثناء تنشيط الحملة الانتخابية القادمة. ويعد هذا الحدث بمثابة الضوء الأخضر لأوفياء الشيخ جاب الله ومحبيه والمتعاطفين معه للوقوف مع ''الأخ العاق'' كما يحلو للشيخ تسميته حينما لا يريد ذكره باسمه. ويقدر أن تجد هذه الخطوة استحسانا كبيرا وسط صفوف الحركة وقواعدها النازعة للصلح والداعية إليه وترحيبا في أوساط إسلامية واسعة، وهذا ما من شأنه أن يدفع إلى تفاؤل داخل التيار ويساعد على تحريك دواليب الدعم والتأييد والمساندة للمترشح جهيد يونسي، خاصة بعدما شددت أحزاب التحالف الرئاسي على تخصيص جميع التوقيعات لمرشحه عبد العزيز بوتفليقة، إذ يتحتم على الإسلاميين تجنيد كل الطاقات الممكنة من أجل التعبئة والدعم الضروريين من أجل إيصال مرشح الإسلاميين بإعطائه عوامل محفزة تجنبه مقص المجلس الدستوري وتؤكد تواجده في مربع المترشحين الأخير. الوعاء الانتخابي الإسلامي مطالب اليوم إذا برفع التحدي خاصة بعد تنصل المرشح محمد السعيد من تمثيل التيار الاسلامي، فهل تنجح إشارة الشيخ جاب الله القوية في تحريك الهمم في هذا الاتجاه؟ وهل يستطيع جهيد يونسي الرد بالمثل حتى يتحقق الوفاق الإسلامي المطلوب ويلتئم التحالف المنشود ويستيقظ الوعاء الانتخابي النائم؟ فمن يخرج الأغلبية الصامتة عن صمتها؟ الأيام القادمة أجدر بحمل الإجابات والكرة في ساحة شتات الإسلاميين المدعوين للتخلي عن أنانياتهم وكبريائهم السياسي والانفتاح على الآخر.