وصف نائب رئيس الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان والمؤرخ، جيل مونسيران، مؤسسة الذاكرة التي أنشئت في فرنسا قبل يومين بأنها مسيسة وحزبية، مما يعني أنها أحد روافد اليمين المتبني فلسفة تمجيد الاستعمار. ورجح مونسيران أن تؤدي المؤسسة ذاتها الدور الذي لم تؤده المادة الرابعة الداعية إلى تمجيد الاستعمار التي تحمّل شيراك شجاعة إلغائها. وأشاد المؤرخ الفرنسي المختص في تاريخ الجزائر والحقبة الاستعمارية بموقف الجزائر القاضي بالتريث قبل إصدار قانون تجريم الاستعمار. البلاد: ما هي تداعيات الإعلان عن إنشاء المؤسسة من أجل الذاكرة التي جاءت بديلا عن المادة الرابعة الملغاة من قانون تمجيد الاستعمار الصادر في 23 فبراير 2005؟ جيل مونسيران: التداعيات ستكون مقرونة بما سيقوم به الذين أوكلت إليهم مهمة تسيير هذه المؤسسة بمن في ذلك المؤرخون والذين سيكلفون بإدارة الأشغال والأبحاث في المؤسسة الجديدة من مؤرخين وغيرهم من الشخصيات التي حازت العضوية فيها لحد الآن، وإذا ما كان سيتجه هؤلاء الفاعلون بأعمالهم الوجهة التي تفرضها الموضوعية والحقيقة التاريخية التي تبرز الوجه الحقيقي والفعلي للاستعمار وما تسبب فيه في الجزائر منذ 1830 وبما سيؤدي إلى تلطيف الأجواء ويهدئ النفوس بين البلدين، أم أن أعمال القائمين على المؤسسة ستتجه نحو تكريس فلسفة قانون تمجيد الاستعمار وتعفين العلاقات بين البدين. لكن من خلال الأسماء الأولى التي أعلن عن تكليفها بتسيير المؤسسة، يبدو أن الوجهة قد حددت مسبقا؟ بطبيعة الحال.. وهذا ما دفعنا إلى إدانة واستنكار المؤسسة لأنها في نظرنا لا تخدم ما يطمح إليه الشعبان في البلدين، ولأن موقفنا من المؤسسة يأتي انسجاما مع نضالاتنا السابقة والحالية، كان من الطبيعي أن ننكر تأسيس هذه المؤسسة التي بدون شك ستزيد من تعميق الجراح وتعقد الأمر وتعرقل مسار علاقات جديدة بين البلدين أساسها تحمل مسؤولية ما قامت به الدولة الفرنسية عبر التاريخ في حق الشعوب المستعمرة. المؤسسة حسب ما يبدو من خلال القراءة العمودية لما كتب عنها وحسب ما روجت له الحكومة الفرنسية، ستكون طليقة اليد وتؤدي دورها التاريخي بكل حيادية؟ لا أعتقد ذلك وأستبعده. في نظرنا المؤسسة الجديدة مسيسة وحزبية وسيكون عملها دون شك تأكيدا لتمجيد الاستعمار، فهي التفاف على المادة الرابعة التي تحمّل شيراك مسؤوليته التاريخية في الدعوة إلى إلغائها بما يخول له ذلك القانون الفرنسي. ما هي مسؤولية اليمين والحكومة الفرنسية في هذه المبادرة؟ المسؤولية قائمة بكل تأكيد. أعني أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على وجه الخصوص وحكومته، أشعلوا مرة أخرى فتيل تمجيد الاستعمار. ولكن السؤال المطروح: لماذا أشعله ساركوزي حتى قبل اعتلائه عرش الإليزيه؟ والجواب على ذلك أن فلسفة تمجيد الاستعمار تشكل أحد جوانب سياسية ساركوزي الخارجية التي لاتزال تثير استياء الكثير من الأوساط في فرنسا. مؤخرا تناولت الصحافة الفرنسية اليمينية على وجه الخصوص حكاية اعتراض شيراك على الحرب الأمريكية للعراق بالقول عبارة ''لا'' التي كلفت الفرنسيين 4 ملايين دولار إشارة إلى منع بوش الفرنسيين من الاستفادة من مشاريع تعمير العراق وبالمناسبة هناك من يقول إن مسعى ساركوزي ينخرط في سياق التأكيد لبوش آنذاك والولايات المتحدةالأمريكية توبتها من ''خطيئة'' شيراك ولو كان ذلك على حساب الجزائر والمستعمرات القديمة وبالاصطفاف خلف منطق تمجيد الاستعمار ما رأيكم في هذه القراءة ؟ هي صحيحة إلى حد ما ولا تخلو السياسة الخارجية الفرنسية من هذه المعاني غير أن هناك جوانب أخرى حركت اليمين والرئاسة الفرنسية لثني هذه المواقف الاستفزازية تجاه الجزائر والتاريخ كفيل بكشفها ولهذا كانت سياسة شيراك مخالفة تماما لسياسة ساركوزي . كيف تصفون موقف الجزائر الذي حال دون تصويت نواب الشعب على قانون يدين الاستعمار ويدين ممجديه ؟ بداية يجب التأكيد أن الاستعمار مدان بالفعل والواقع وبالقوة كما يجب التأكيد أنه من حق الشعب الجزائري وممثليه وحكومته إدانة الاستعمار واستصدار قانون لذلك ولكن مع كل هذا أحيي الحكمة الجزائرية ونفاذ البصيرة فالموقف الجزائري أعطى فرصة أخرى لباريس ولم ينخرط في منطق ردود الأفعال الآنية الانفعالية خاصة فيما تعلق بموضوع حساس يحتاج إلى الكثير من الحكمة والبيداغوجية ويحتاج للكثير من السياسة والابتعاد قدر الإمكان عن الانفعالات والنظرات الضيقة. لكن الموقف الفرنسي كان معاكسا للموقف الجزائري ؟ الموقف المعاكس للموقف الجزائري لا يعبر عن رأي كل الفرنسيين ولا حتى أغلبيتهم بل هو موقف نيكولا ساركوزي وحكومته واليمين الذين وقعوا في فخ الأوهام ''النيو كولونيالية'' ظنا منهم أن هذا الاتجاه يمكن أن يعوض القصور الواضح في الأداء على مستوى جبهات لم يعد مجديا حتى الإشارة إليها لتعددها وتكرارها ونشير هنا إلى موقف الفرنسيين الذين عبروا عن موقفهم من أحداث 17 أكتوبر ودعوا إلى إدانتها وتجريم مرتكبيها من خلال موقف شعبي شارك فيه ممثلون عن المجتمع المدني وعلى هذا نكرر أن موقف أغلب الفرنسيين معاكس تماما لموقف دعاة الأمجاد الاستعمارية والتيار النيو كولونيالي. مسؤولية إجلاء الحقيقة ومرافقة الفرنسيين إلى ساحة الاعتراف بجرائم الاستعمار كانت كبيرة هل تعتقدون في ظل المستجدات الطارئة على مستوى هذا الملف أنها ستكون أثقل؟ هذا مؤكد خاصة في ظل مساعي تلغيم الملف المعقد الذي يحتاج إلى الكثير من الحكمة في معالجته فالمؤرخون وأصحاب العقول الراجحة في فرنسا وحتى في الجزائر مطالبون بالتعاون لإجلاء الحقيقة وإن كانت واضحة للوصول إلى شجاعة تحمل الدولة الفرنسية مسؤولية ما اقترفت ومسؤوليتها التاريخية. هل تعتقدون أن سنة 2012 ستكون مفصلية ومنعطفا نحو تلطيف الأجواء بين البلدين وإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي بما في ذلك ملف الاستعمار؟ نتمنى ذلك خاصة أن هذا التاريخ سيصادف الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر. مقاطعة: المقصود في السؤال الجانب الفرنسي والرهانات السياسية المرتقبة خاصة الرئاسيات واحتمال فوز اليسار. إذا حدث وأن فاز اليسار بالانتخابات الرئاسية المقبلة فالمؤكد أن العلاقات بين البلدين ستشهد انتعاشا وعودة إلى ما ينبغي أن تكون عليه من الاحترام المتبادل والتعاون الثنائي لاسيما أن اليسار الفرنسي قد حسم موقفه من مسألة الاعتراف بالجرائم الاستعمارية وفوق هذا وذلك عارض بشدة قانون تمجيد الاستعمار واعتبره عارا لا يليق بالأمة الفرنسية وإلى جانب اليسار هناك الديغوليون يعول عليهم كذلك في هذا الشأن خاصة إذا ما وفوا بما يقدمون من مواقف سياسية بما في ذلك قضية الاستعمار.