أصبحت فكرة فهم الطريقة التي يفكر بها دونالد ترامب أمرا غاية في الأهمية حاليا، فالجميع يرغب بمعرفة توجهاته، ومن أين اكتسب ذلك الأسلوب المختلف في خطاباته؟ وما هي علاقته بالحقيقة؟ وكيف له أن يطلق كميات من الثرثرة بلا أي انتقادات. ووفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية فإن هنالك العديد من الزوايا التي يمكن البدء بتمحيصها، فهناك العديد من النظريات المتعلقة بتشابهات بينه وبين هتلر، وعلاقته بزمن الانهيار الجمهوري، والاهتمام الكبير الذي توليه وسائل الإعلام عند ظهوره، ولكن واحدة من الزوايا الخفية كانت قد غابت عن أعين المحللين، ألا وهي علاقته بوالده. ولا شك أننا لا نناقش هنا موضوع المال وحسب، بل الإرث الكامل الذي ورثه ترامب عن والده، وعلى سبيل المثال لا الحصر الشعر الذي ورثه من والده. وقد أجمع المحللون بأن فريديريك كرايست ترامب، يختلف اختلافا كبيرا عن ابنه دونالد، ولكن ابنه لم يتمكن من التخلص من الإرث العائلي المتعلق بلون الشعر المتوارث. وبحسب كتاب جويندا بلير عن عائلة ترامب، فقد عرف الأخير دوما بعشقه للمسحة الحمراء في الشعر، كما تشير الصور الملتقطة لفريدريك أنه يفضل أن يطيل شعره على شكل متموج. رجل عصامي ثم تأتي "أسطورة" الرجل العصامي الذي بنى نفسه بنفسه، ففي سيرته الذاتية التي يتضمنها كتابه "فن عقد الصفقة" يزعم دونالد أنه تعلم الكثير من المبادئ العملية من والده، ويقول: "لم أبعثر أموالي سدى" كما كتب عن نفسه قبيل أحداث الإفلاس، وقبل أن يتمكن الإعلام الأمريكي من إلقاء نظرة عن كثب داخل شقته الخاصة قال دونالد: "لقد علمني والدي أن لكل قرش قيمة، لأنه قريبا ما تتحول القروش الى دولارات". وقد يبدو هذا الكلام جيدا، ولكن لسوء الحظ فكتاب "فن عقد الصفقة" ليس بالكتاب الذي يسهل الوثوق بما ورد فيه من معلومات، ومن أسباب ذلك أن الكتاب يتضمن علامة استفهام ضخمة تتعلق بفريد، فالكتاب يزعم أن عائلة ترامب ذات أصول سويدية، بينما في الواقع هم من أصول ألمانية. وكما يعلم العالم أجمع الآن تبعا لأبحاث جون أوليفر، فإن اسم العائلة الأصلي كان درمبف، بل إن فريد كان يتحدث اللغة الألمانية، لكن فريد نفسه عمل جاهدا لإخفاء هذه المعلومات، ويعود الخوف من الكشف عن تلك الأصول أنه ليس من الأمر المرحب به بالنسبة لفريد أن يعمل رجل ألماني في أمريكا، وخاصة في الفترة ما بين 1940 و1950. وفي عام 1927 نشرت نيويورك تايمز تقريرا بشأن حملة اعتقالات شملت حوالي ألف شخص من نفس الأصول، وكان بينهم فريد ترامب الذي اعتقل في كوينز، وقد تطابق العنوان المذكور في التقرير مع عنوان المنزل الذي نشأ فيه فريد ترامب، وقد رد دونالد ترامب بنفسه على تقرير نيويورك تايمز قائلا "إنه لمن الظلم والبهتان نشر مثل هذه المعلومات، لأنها اعتمدت جميعها على بلاغات كاذبة". اتهامات بالعنصرية وعلى الرغم من أن ثروة فريد ترامب بنيت من مشاريع الإسكان لذوي الدخول المنخفضة، إلا أنه كان يواجه باستمرار جماعات الحقوق المدنية، التي كانت تطالبه بإنهاء التمييز العنصري ضمن مشاريعه الإسكانية. بالإضافة إلى أن أول ظهور لاسم دونالد ترامب في صحيفة نيويورك تايمز عام 1973 كان فيما يتعلق بدفاعه عن والده، وعن شركة والده ضد اتهامات ضد إدارة ترامب، تقول إنه مارس التمييز العنصري ضد مستأجرين سود، حيث تقول الاتهامات أن ترامب رفض تأجيرهم مسكنا لكونهم سودا، وقد سويت المسألة دون أن تصدر بحق ترامب أية إدانة. ولكن وكما ورد في روايات عدة في كتاب بلير وفي مقالات كثيرة فإن فريد ترامب لم يبدأ ثروته من الصفر. مصدر ثروة ترامب وكان من الواضح أن رغبات فريد ترامب كانت مختلفة تماما عن رغبات ابنه، ولربما كان من حسن حظ دونالد أن الإبن الأكبر لعائلة ترامب، والذي توفي مبكرا عن عمر يناهز 43 عاما، كان قد اتخذ قرارا بأن ينأى بنفسه عن الانخراط في أعمال عائلته، وهنا كان على دونالد ترامب أن يثبت رجولته وحظوته واستحقاقه للثروة والمنافع الكبيرة التي سيرثها. إلا أن دونالد خالف تلك التوقعات وقفز على المتعارف عليه من عادات، فقد اعتمد على أموال والده في بداية حياته العملية، وعندما حاولت صحيفة الواشنطن بوست أن تعود بالزمن للتعرف على حقيقة ثروة دونالد ترمب، لم تتمكن من معرفة تفاصيل الماضي كاملة. وبحسب رواية ترامب فقد اقترض مبلغا من المال من والده يقدر بمليون دولارا وبدأ أعماله، وتشير العديد من المقالات لاحقا أن دونالد اقترض مبالغ أخرى من حساب والده البنكي عبر السنين. وفي إحدى المرات قام فريد ترامب بإنقاذ ولده من الإفلاس بإقراضه 3,5 مليون دولارا، على شكل عملات كازينو، ناهيك عن ما ورثه ترامب من والده الذي توفي في عام 1999. وبحسب كتاب بلير فقد ترك فريديريك ترامب الجد الذي كان يعمل أيضا في مجال العقارات ما قيمته 30,000 دولار من الإسكانات والعقارات عندما توفي في عام 1918، وذلك المبلغ يقدر حاليا ب500,000 دولار مقدرين بذلك اختلاف قيمة العملة، كما أن جدة ترامب أليزابيث كرايست ترامب كانت المؤسسة لأعمال عائلة ترامب منذ البدايات. وقد استفاد فريد ترامب الذي لم يتعد الخامسة عشر من عمره من الوضع الذي رسمته له، واستفاد أقصى استفادة ممكنة، ولكن القصة التي رواها ترامب لتفسير ثروة العائلة كانت ملفقة نوعا ما. وفي عام 1940 وفي مقابلة لفريد ترامب في برنامج المشيدون الأمريكيون في عصر البناء والتشييد، تمت مقارنة ترامب بهنري فورد الرائد في مجال السيارات، لأن فريد ترامب كان يبغض اقتراض الأموال. والد فوضوي لقد رويت العديد من القصص عن فريد ترامب، ومنها أنه لم يكن لديه مكتب خاص، وكان يحتفظ بجميع سجلاته الورقية في جيبه، ولديه مكتب في شقة مساحتها 90 مترا مربعا، موظفوها هم فتاة واحدة، مهمتها كتابة الرسائل والإجابة على الهاتف، ويزاول العديد من أعماله المكتبية على طاولة الطعام في منزله، كما يحتفظ بسجلاته بما في ذلك كشف الرواتب والمصروفات المادية في كتاب أسود يحمله في جيبه. تلك الروايات التي رويت عن فريد ترامب تجعلنا نطالع الأبنية الشاهقة العائدة لدونالد ترامب الآن على أنها نوع من التعويض. وقد يكون الأمر الوحيد الذي لم يتمكن الأب والإبن من المنافسة فيه هو موضوع الحب والعلاقات العاطفية، وخاصة فيما يتعلق بحب ماري ترامب زوجة فريد ووالدة دونالد، ومن المميز أن ماري نأت بنفسها عن الظهور الإعلامي وتركت الأعمال للأب والإبن سويا. التصريح الغريب يقول ترامب في كتابه "فن عقد الصفقة" "لم أكن أشعر بالخوف من والدي أبدا، لقد اتخذته قدوة لي وكنت أطمح أن أصبح مثله، وقد كان والدي يحترم هذا". وقد تكون هذه أقوى علاقة حظي بها دونالد ترامب، وقد وصف آخرون العلاقة بين الأب وابنه مثل بلير كعلاقة تشوبها الصداقة، ولكنهما لم يعملا سوية، وقد اقتبست يوما قول أحدهم: "لقد كان تواجدهما معا في نفس الغرفة أمرا مستغربا" "وعندما كانا يتحادثان كنت واثقا أن أحدهما لم يكن يستمع إلى ما يقوله الطرف الآخر مطلقا". وفي الواقع كانت جميع تصريحات دونالد ترامب العدائية تجاه والده متعلقة بالأعمال بشكل بحت، وعندما توفي فريد قام دونالد باقتباس تصريح ظريف لوالده لنيويورك تايمز، حينما قال والده أنه لم يكن يرغب بتوسيع أعماله في مانهاتن، "لربما كان الأمر في صالحي، إذ أنه لا يوجد أي منافسين لي الآن.. الآن أصبحت مانهاتن لي وحدي". وقد يبدو هذا تصريحا غريبا لمن توفي والده للتو، ولكننا اعتدنا أن لا يتصرف أفراد عائلة ترامب بالطريقة الاعتيادية.