يعكس تصريح العقيد تونسي، وهو الأحدث في سلسلة تصريحات المسؤولين عن السياسة الأمنية في الجزائر، ارتياح السلطات العمومية ل ''تغيرات'' الوضع الأمني في المدة الأخيرة، حيث تبدلت ''أشياء كثيرة'' سواء في الميدان من طرف الوحدات الأمنية والعسكرية المكلفة بمكافحة الإرهاب أو على المستوى السياسي، حيث عادت خطابات المصالحة من جديد، سواء على لسان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أو على ألسنة بعض القيادات السابقين في العمل المسلح وعلى رأسهم مؤسس ''الجماعة السلفية'' حسان حطاب وأمراء آخرين وجهوا ''نداءات مؤثرة'' إلى من بقوا في الجبال يدعونهم إلى ترك السلاح والعودة إلى المجتمع. هذه التغيرات تؤكد فعلا أن العمل الإرهابي يعرف أدنى منحنياته على الإطلاق، وقد ساهمت عوامل عدة في تفكيك البنى العقدية والنفسية والسياسية لأمراء الموت في الجزائر، مما يبشر بنهاية بعبع الإرهاب والإجرام.. قريبا. على رأس هذه العوامل تأتي جهود قوات مكافحة الإرهاب من مختلف الأسلاك التي استعادت أجواء اليقظة بعد سنوات من الفتور والتراخي (فقد اعتقد الجميع أننا انتصرنا فعلا على الإرهاب مما سمح لبقايا جماعات الموت من تنفيذ بعض الضربات- خاصة الانتحارية- في المدة الأخيرة). وقد كان من ثمرات ''عودة اليقظة'' تحقيق نجاحات كبيرة على المستوى الميدان وفي معقل الإمارة تحديدا، حيث قضي على العديد من قيادات الصف الأول في ''الجماعة السلفية''، كما ألقي القبض على آخرين ساهموا لاحقا في عمليات تفكيك العديد من شبكات الدعم والإسناد التي يتغذى منها أمراء الموت والإجرام. وإلى جانب العمليات الميدانية، ساهمت اليد الممدودة لمن أراد الاستسلام من حملة السلاح في نزول العشرات من الإرهابيين وتسليم أسلحتهم، وعلى رأس هؤلاء يوجد أمير كتيبة ''الأنصار''.. ''الذراع القوية'' لتنظيم ''الجماعة السلفية''، الذي شكل نزوله ضربة قوية وموجعة جدا لقيادة التنظيم الإرهابي، التي وجدت نفسها تتآكل بالتدريج. ومما عزز إقبال المسلحين على النزول من الجبال، مساعي أمراء ''كبار'' سابقين في نهج العمل المسلح سلكوا عدة مسالك في إقناع رفقائهم السابقين بتسليم أنفسهم والاستفادة من تدابير السلم والعفو التي تلتزم بها السلطات لكل من يضع سلاحه. ويقف خلف هؤلاء جميعا فريق من كبار العلماء والدعاة أفتوا جميعا بحرمة الدماء في الجزائر ورفضوا سفاهات قيادة ''القاعدة'' وفروعها وأذرعها في العالم. وقد كان لهذه الفتاوى تأثير كبير على قناعات العديد من المسلحين الذين وجدوا أن أقوال هؤلاء العلماء الكبار تنسف جميع الفتاوى والأفكار التي يتلقونها عبر الإنترنت أو من الأشرطة المضغوطة ''مجهولة المصدر'' التي ظلت قيادة ''الجماعة السلفية'' تحشو بها أفكار وعقول المنتسبين للعمل المسلح وكثير منهم صعد إلى الجبل بنية الجهاد في ''سبيل الله''، كما عبر عنه المسمى أبو زكريا.. (عضو مجلس أهل الحل والعقد ومن أعيان الجماعة السلفية) الذي قال إنه ''صعد إلى الجبل عن جهل وعاطفة ونزل منه عن علم بعد أن طلب منه أحد الأمراء أن يعكف على قراءة القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، ليكتشف أنه كان على خطأ منذ البداية في القتال''، والكلام منقول حرفيا من تصريح للمسمى أبو زكريا لصحيفة ''الحياة اللندنية'' قبل أسابيع قليلة. ولعل مما يدعم مختلف جهود غلق باب الإرهاب ونزول من بقي من المسلحين في الجبال، انخراط عائلات الإرهابيين في مسعى إقناع أبنائها بصوابية خيار ترك السلاح والعودة إلى المجتمع. هذه العوامل السابقة تؤكد كلها أن جهود تفعيل المصالحة وإقناع المسلحين بوضع السلاح تسير اليوم بسرعة قياسية، وتسندها عمليات ميدانية حاسمة لقوات الجيش وعناصر الأمن في معاقل الجماعات الإرهابية، مما يلوح بقرب انقشاع ضباب الرعب والإجرام وبزوغ فجر الأمن والاستقرار.