لم تكن الأيام الأولى لرمضان بالنسبة للجزائريين منحصرة في الجري وراء سعر "الدلاع" أو الظفر بمقعد في حافلة أو قطار، ولا في طوابير الحليب والخبر، بل تعدته لتصل إلى مبدأ "اتقي شر الصائمين"، كيف لا وجرائم قتل بشعة واعتداءات خطيرة سجلت خلال الأسبوع الأول لهذا الشهر الفضيل الذي انتهكت فيه حرمته بسبب هستيريا الاشتياق لرشفة دخان أو سيجارة مخدرات. إجراءات أمنية مشددة.. والإجرام حاضر
يأمل الجزائريون مع الإجراءات التي اتخذتها مديرية الأمن الوطني هذه السنة، أن يعم الأمن في رمضان من خلال التعزيزات الأمنية بالشوارع، المساجد والأسواق، وخلال ساعات الصباح وقبل الإفطار، خاصة بعد الفترات التي تعقب الإفطار، حيث تم تجنيد كافة الموارد البشرية والمادية المدعمة بشبكة كاميرات المراقبة التابعة لمراكز العمليات، التي ستساهم في ضمان سرعة التدخل في حال وقوع أي جريمة، وعلى غرار السنوات الماضية، سيتم تعزيز الأماكن المعروفة بالجريمة بفرق البحث والتحري BRI "لاستعجال التدخل السريع ومنع وقوع أي اعتداء من شأنه أن يؤثر سلباً في الوضع العام... ورغم ذلك كانت الاعتداءات وقضايا القتل حاضرة في الأيام الأولى لهذا الشهر الفضيل.
جرائم قتل بشعة قبل الإفطار بدقائق بسبب مناوشات كلامية
استنادا إلى الواقع المعاش بالعاصمة وضواحيها خلال رمضان وقبل دقائق معدودة من آذان المغرب، قد تتحول مجرد كلمات ونقاشات عادية بين الأطراف إلى حروب تستعمل فيها مختلف الأسلحة البيضاء وتنتهي بجرائم قتل... فيما يمكن أن يتحول نقاش عادي حول طابور الحليب أو شراء الخبز إلى حرب يشارك فيها عدد كبير من الأفراد متناسين قول النبي صلى الله عليه وسلم وفي جزء من حديث "اللهم إني صائم"، حيث إنه تم تسجيل ما لا يقل عن عشرة جرائم قتل عمدي عبر مختلف ولايات الوطن في أسبوع واحد فقط من شهر رمضان، معظمها ارتكب قبل ساعات فقط من آذان الإفطار وبطريقة وحشية باستعمال مختلف الأسلحة البيضاء. فيما سجلت مصالح الاستعجالات توافد عشرات الجرحى خلفتها شجارات باستعمال "العصي والهراوات"
شاب يذبح والده وكهل يعتدي على ابن أخيه وآخر يقتل صهره طعنا بخنجر
اهتز سكان حي "وادي القبة" في عنابة، على وقع جريمة قتل راح ضحيتها شاب في العقد الثاني من عمره، بعد تلقيه طعنة سكين من قبل صهره البالغ من العمر 35 سنة، دقائق قبيل آذان المغرب في أول يوم من شهر رمضان المعظم. فيما شهدت مدينة العلمة بسطيف، حادثة قتل شنعاء ساعات قبل الإفطار، والتي راح ضحيتها شاب لم يتجاوز عمره 21 سنة يتيم الأم، بعد أن تلقى 5 طعنات بخنجر من طرف عمه الأصغر وهو على فراش النوم. كما شهد، أول يوم من رمضان، عرض البحر في جزئه الذي يربط بني صاف في تموشنت بولاية تلمسان، جريمة قتل بشعة أيضا راح ضحيتها بحار يدعى "ب.س" البالغ من العمر 42 سنة، والذي تأكد من المعاينة الأولية أنه قتل بواسطة آلة حادة لخلافات يرجح أنها وقعت بينه وبين بحار آخر بسبب المخدرات على اعتبار أنه تم العثور لدى الضحية على 30 كلغ كيف كانت موضوعة في حقيبة. فيما سجلت خلال السنوات القليلة الفارطة جرائم مروعة بالعاصمة في رمضان، منها الجريمة التي اهتز لها سكان حي المنظر الجميل ببلدية القبة قبل موعد الإفطار، بعدما وقعت مناوشات كلامية بين كهلين في الأربعينيات من العمر، فتدخل ابن أحدهما وعمره 22 سنة من أجل حماية والده فقتل الكهل الثاني بطعنة قاتلة، كما أقدم مستفيد من العفو الرئاسي والبالغ من العمر 22 سنة بمنطقة المرسى الكبير على توجيه طعنات لأحدهم على مستوى الوجه والبطن أردته جثة هامدة، ووقوع 5 جرائم قتل في بلدية بئر توتة لوحدها.
حروب بالأسلحة البيضاء بين الباعة الفوضويين بالأحياء الشعبية "تبضع.. وعس روحك"
تتحول الأحياء الشعبية في العاصمة خلال رمضان إلى حلبات للصراع بين الباعة المتجولين والسكان من الشباب، جرائم قتل ومشادات بالسيوف والخناجر والعصي والحجارة، فضلاً عن الكلام البذيء ومعارك في وضح النهار في الشوارع والأسواق تستكمل في بعض الأحياء عقب الإفطار أيضاً، وما زاد من خطورة الوضع تكرر المشهد كل يوم تقريباً في كل من أحياء باب الوادي، الحراش، باش جراح، برج الكيفان، درڤانة، بلكور والكاليتوس وغيرها ما رفع وتيرة العنف بشكل غير مسبوق كل سنة، وبالنظر إلى تزايد عدد الجرائم المرتكبة في شهر رمضان وحده، وفي عدد حالات الاعتداءات المتفرقة بالأحياء ومناطق أخرى التي تتحول إلى ساحات عراك بين الباعة الفوضويين بسبب مكان لعرض سلعهم، وبين الباعة المتجولين والسكان من الشباب، فتبدأ بمجرد جدال ثم يتحول إلى حرب بالسيوف ومختلف الأسلحة البيضاء، ومثال ذلك ما وقع بساحة سوق العقيبة في حي بلوزداد بالعاصمة، الذي تحول إلى ساحة معركة أثارها تراشق كلامي بين مجموعتين من الشباب، عندما حاول أحدهم وضع طاولته بالقرب من بائع للتمور في الرصيف المحاذي لسوق العقيبة، فحاول الأخير إبعاده لكن الشاب لم يأبه لكلام البائع، لتتحول الكلمات والصراخ إلى قتال بالأيدي ثم بالعصي وتدخل أصدقاء الشاب من أبناء حيه في معركة بالأسلحة مع تجار الأرصفة، وهذا قبل آذان الإفطار واستمر ذلك إلى ما بعده، وجرح فيها ثمانية شبان بجروح ليست بالغة ونقل شاب في مقتبل العمر على جناح السرعة إلى العناية المركزة بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، وبقي الطفل "جلال "البالغ من العمر 14 سنة يصارع الموت في غرفة الإنعاش بعد تلقيه طعنة بالخنجر على مستوى الرقبة والقلب وسقوطه على رأسه، ما تسبب له في نزيف حاد إلى غاية لفظ أنفاسه الأخيرة، وهي كلها قضايا طرحت على المحكمة الجنائية بالعاصمة، ومنها قضية شاب بحي سلافايير بالأبيار الذي تعرض إلى محاولة قتل من قبل آخر قام بطعنه بواسطة خنجر على مستوى الجهة اليسرى لأسفل الصدر، تم نزعه بصعوبة من قبل الطبيب الجراح بمستشفى بئر طرارية أثناء إجراء العملية الجراحية له، وقد نجا من الموت بأعجوبة نتيجة الإصابة التي تعرض لها على مستوى البطن، الصدر والكبد، وكان ذلك خلال شجار وقع بينهما قبل وبعد الإفطار خلال شهر رمضان بسبب تدخله للدفاع عن امرأة من الحي استنجدت بأبناء الحي نتيجة تعرضها لمضايقات من قبل المتهم، الذي توبع بجناية محاولة القتل العمدي ومخالفة الضرب والجرح العمدي التي راح ضحيتها شاب تسبب في عجزه عن العمل لمدة 15 يوما.
المرحلون الجدد بين سندان المنحرفين ومطرقة "الصائمين"
شهدت الأحياء السكنية الجديدة خلال السنوات الماضية ظاهرة العنف في أوساط الشباب من الأحياء القديمة، وعرفت يومياً اعتداءات بالخناجر والسكاكين والسيوف، وهو ما فرض عليها حالة من الرعب والخوف، ويعد غالبية سكان تلك الأحياء الجديدة من الذين رُحلوا من الأحياء القصديرية، والذين هربوا في التسعينيات من المدن الداخلية بسبب الوضعية الأمنية، ونقلت تلك العائلات إلى مساكن مستحدثة لكن النسيج الاجتماعي بينها بقي مفككاً ولم يترافق مع التنمية وفرص العمل، وكان جل ما حدث هو تغيير المكان ما جعل الأحياء الجديدة تبقى مرتعاً للجانحين حتى أصبحت بعض الأحياء محرمة على قاطنيها في النهار، وتساؤلات كثيرة تطرح حول تطور الظاهرة هذه السنة خاصة مع عمليات الرحلة الأخيرة التي مست الآلاف من العائلات التي استفادت من سكنات اجتماعية يومين قبل شهر رمضان، حيث تشتعل نار الفتنة بمجرد كلمة أو نظرة غير مرغوب فيها.
ارتفاع معدل الجريمة في رمضان سببه التقشف وضعف مستوى المعيشة
أكد مختصون في علم الاجتماع أن تطور الجريمة في الجزائر عرف مسارا خطيراً في السنوات الأخيرة، وفي شهر رمضان على وجه التحديد بسبب الضغط الذي تعيشه الأسر الجزائرية، والذي يرجع مصدره إلى الوضع الاقتصادي المزري وضعف مستوى المعيشة، علاوة على أزمة السكن الخانقة التي تسببت في تفكك الأسر وتضاعفت معها الجرائم بسبب البطالة وتعاطي المخدرات التي ينتج عنها السرقة ومختلف الجرائم، إلى جانب غلاء الأسعار واتخاذ الحكومة لاجراءت تخص الرفع في فواتير الكهرباء والغاز ووو... وهذا على الرغم من العقوبات الرادعة التي يتعرض إليها مرتكبو الجرائم.
رئيس نقابة الأئمة جلول حجيمي رمضان للتقوى والعبادات
أكد جلول حجيمي، رئيس نقابة الأئمة في اتصال مع "البلاد"، أن غالبية التحقيقات المتعلقة بالجرائم المرتكبة في شهر رمضان تؤكد أن الجناة يعانون من هستريا تنازل المخدرات والحبوب المهلوسة، حيث يعتبر الجناة من المدمنين الذين يجدون صعوبة كبيرة في تغطية احتياجاتهم للإدمان خلال الصيام وهو ما يجعلهم يرتكبون جرائم بشعة لأتفه الأسباب إلى جانب عقلية مجتمعنا العصبي، حيث تحدث مناوشات بين المدخنين ووو.. إضافة إلى معاملاتنا اليومية والتي تكون في الغالب عنفية.. ودعا حجيمي إلى السيطرة على الغضب والإكثار من الطاعات والعبادات لأن رمضان شهر للتقوى.