يعتقد الروائي السوداني الشهير أمير تاج السر في هذا الحوار، أن العديد من المؤشرات تؤكد خيار انفصال السودان عن جنوبه في استفتاء الأسبوع القادم، من بينها اختلاف العرق والدين والثقافة، وذلك في ظل الأخطاء التي ارتكبتها حكومة الخرطوم التي فرضت الشريعة الإسلامية في جنوب يسكنه مسيحيون ووثنيون. يتوجه السودانيون خلال أيام للتصويت على مصير الجنوب.. فكيف تقرأ، كمثقف وروائي الواقع السوداني خلال السنوات الأخيرة، وماهي الأسباب التي جعلت السودان يصل إلى مرحلة حرجة وغير مسبوقة في تاريخه تخير أبناءه بين الوحدة والانفصال؟ الحقيقة أن علاقة الشمال بالجنوب في السودان متوترة منذ زمن طويل، حروب تنشب وتهدأ.. اتفاقيات توقع وتنقض، ودائما ثمة تمرد على سلطة الخرطوم، ليس في الوقت الحالي، ولكن في أي وقت منذ الاستقلال، ولدي رواية اسمها ''رعشات الجنوب'' تعرضت فيها لكثير من المسائل المرتبطة بهذه العلاقة المتوترة.. وأقول لك إن الجنوبيين لم يتستوعبونا أبدا، وسعى الشمال كثيرا لاستيعابهم ولم ينجح، ورأيي الشخصي أن مسألة اختلاف الأصل، واختلاف الدين، حيث يسكن الجنوب أناس أغلبهم وثنيون أو مسيحيون؛ من الأسباب التي تحدث هذا التنافر. وفي ظل حكومة طبقت قوانين الشريعة الاسلامية، انفجر ذلك الوضع. وبالنسبة للشمال يعتبر الجنوبيون أقلية، وهذه الأقلية لها حقوقها بالطبع، لكن هم يرون غير ذلك، وبعض مثقفيهم يرى أحقيتهم حتى في حكم الشمال..وباختصار شديد يبدو التنافر واضحا، وبالرغم من ذلك كان خيار الوحدة هو الأمثل ولا أحد عاقلا يود رؤية وطنه ممزقا. لم نقرأ كثيرا أو نسمع ردود أفعال لمثقفين وكتاب وروائيين سودانيين حول الأوضاع التي يشهدها البلد في الفترة الأخيرة.. لماذا.. هل انسحب المثقف السوداني من المشهد السياسي والمجتمعي أم هناك اعتبارات أخرى؟ أنا في الحقيقة أقيم خارج السودان، ولكن أعرف تماما أن جميع مثقفي البلاد تقريبا أدلوا برأيهم سواء عبر الندوات أو اللقاءات الإعلامية.. ولا أحد رجح خيار الانفصال، بل كلهم تقريبا نادوا بالوحدة، ويوجد أيضا مثقفون جنوبيون وقفوا مع خيار الوحدة. كيف تصور لنا حضور الأزمات المختلفة التي مر بها السودان، خصوصا أزمة دارفور من خلال الأدب والسينما والمسرح وغيرها من الفنون في السودان؟ ليس السودان وحده من يمر أو مر بأزمات، فمعظم بلداننا العربية في الوقت الحاضر لها أزماتها.. أنا قرأت أزمة دارفور قبل أن تحدث وكتبت ذلك في روايتي ''مهر الصياح'' والمسألة لها تاريخ طويل هو أيضا تاريخ صراعات بين سكان المنطقة سواء أولئك الذين ينحدرون من أصول عربية أو إفريقية. صحيح أن إقليم دارفور لم يحصل على حقوق كاملة بسبب البعد عن المركز، وأيضا شح الموارد، لكن الأمر أيضا فيه مطامع.. فيه أحلام كبيرة لا تتحقق في بلد شاسع مثل السودان، وإلا ما معنى أن تنشأ كل يوم حركة مناوئة، وأفراد يطالبون بالثروة، ولم أعرف أبدا ماذا تعني هذه الثروة التي يريد الكل اقتسامها. لو ترك السودان بلا فتن وبلا حروب لمضى إلى الأمام منذ زمن، ولتحقق له الاستقرار المنشود. هل تؤمنون كمثقفين سودانيين بأن هناك مؤامرة ما تحاك ضد البلد بغرض تفتيته وإضعافه.. ومن يقف خلفها؟ من مؤكد أنه توجد مؤامرة لتفتيت السودان الذي كان برغم كل شيء، بلدا موحدا والآن يتصارع أبناؤه، ولا أجد مصلحة في هذا الصراع سوى ضياع الوطن. تشير العديد من التحليلات إلى أن الجنوب يختلف عن الشمال السوداني من حيث الثقافة والدين والتقاليد والعادات.. هل ترى أن ذلك سيجعل السودانيين يصوتون لصالح الانفصال.. بمعنى هل فعلا السودان بلد غير متجانس من حيث الثقافة والهوية؟ هل تقصد بالسودانيين، سودانيي الشمال؟.. سودانيو الشمال لم يمنحوا حق التصويت، حيث ترك الأمر للجنوبيين ليقرروا مصيرهم، ولا يعني تجانس الهوية أو اختلاف الدين أن يتفتت أي بلد.. يوجد مسلمون أيضا في الجنوب، ويوجد عدد كبير من أهل الشمال انصهروا بالقبائل هناك، وعاشوا حياتهم كلها، وغالبا تزوجوا من هناك، وأرى في انفصال الجنوب خسارة كبيرة، ليس اقتصاديا فقط، ولكن معنويا حين تحس أن جزءا من جسدك قد بتر. كن صريحا.. إن كنت ستذهب إلى صناديق الاقتراع.. فماهي الورقة التي ستضعها.. لصالح الانفصال أم الوحدة؟ لو منحت حق التصويت لاخترت الوحدة بلا شك. تبدو روايتك ''صائد اليرقات'' التي دخلت سباق القائمة القصيرة لجائزة ''البوكر'' بوليسية من حيث موضوعها خصوصا أنها تصور حكاية عميل مخابرات متقاعد يقرر كتابة رواية عن تجاربه.. هل ترى أن مثل هذا النوع من الروايات عرف تأخرا في الظهور لدى العرب مقارنة بتجارب روائية عالمية؟ روايتي ليست بوليسية الحبكة فأنا أتحدث عن عبد الله فرفار بطل الرواية بعد تقاعده عن الخدمة، وتفكيره في كتابة رواية، ومن ثم يلجأ إلى المقاهي التي يتردد عليها المثقفون بحثا عن عون، هو يدخل المقهى طريدة هذه المرة وليس صيادا.. هذا ما تقوم عليه حبكة الرواية، والحقيقة لا توجد روايات بوليسية في بلادنا العربية، فنحن لسنا مؤهلين لكتابة مثل تلك الروايات، ولا توجد أصلا دوافع لكتابتها. هل اطلعت على كتابات الجزائري ياسمينة خضرة؟.. ما رأيك فيها خصوصا من حيث حديثه عن قضايا الإرهاب والوضع في أفغانستان والعراق؟ قرأت ''سنونوات كابول'' ولم تعجبني للأسف، وجدتها رواية أقحمت قسرا في أجواء أفغانستان بلا دراية عن تلك الأجواء، وأعرف أن لياسمينة خضرة روايات أخرى جميلة، لكنني غير مطلع عليها. كيف تنظر إلى التجربة الروائية في الجزائر بما لها وعليها؟ الجزائر بلد غني بكتابه بلا شك، حيث يوجد كاتب ياسين وواسيني الأعرج وفضيلة الفاروق وأمين الزاوي، وغيرهم من الأجيال الجديدة أمثال سمير قسيمي.. وكلهم لهم نجاحات كبرى بلا شك، وقد قرأت بعض أعمالهم. لو نتحدث قليلا عن جائزة ''البوكر''.. هل تعتقد أن رواية واسيني الأعرج ''البيت الأندلسي'' كانت تستحق المواصلة ولماذا؟ أنا قرأت ''البيت الأندلسي'' وأدهشتني بمعالجة موضوع الهوية بطريقة مبتكرة، وقلت ذلك لواسيني شخصيا، لكن لا أعرف الآليات التي تلجأ إليها لجان التحكيم لاختيار نص من دون آخر. قرأت ''جنود الله'' لفواز حداد، وأرى أيضا أنها رواية متميزة. تتعرض جائزة ''البوكر'' في كل موسم إلى انتقادات لاذعة، حيث يتهمها البعض بعدم الإنصاف أو بأن نتائجها معروفة مسبقا أو أنها تمنح لأسماء معينة لهذا الاعتبار أو ذاك.. ما تعليقك؟ ما يقال عن جائزة ''البوكر'' في رأيي غير صحيح، فلقد تقدم الناشر بروايتي ''توترات القبطي''، وهي رواية صنفها كثير من النقاد بأنها رواية كبيرة ومهمة، ولم تدخل حتى في القائمة الطويلة، وبالرغم من ذلك لم أهاجم ''البوكر'' أبدا، وكتبت في تعليقي على ذلك، أن المسألة ربما تكون تذوقا شخصيا، وربما لم يتذوق أحد روايتي. أنا ضد مقاطعة الجوائز التي يكرم بها الإبداع، وضد قيادة الحملات للتتفيه من شأن امتياز كبير مثل ''البوكر'' لم نصدق ككتاب عرب أننا حصلنا عليه. هل تتوقع لروايتك ''صائد اليرقات'' الفوز؟ لا أعرف والله. تعاني الرواية العربية من مشاكل عدة أبرزها أنها حبيسة المحلية.. حتى أن الكتاب العرب لا يتمكنون أحيانا من الاطلاع على إبداعات بعضهم.. ماهو السبب في رأيك؟ كان ذلك في الماضي، فالآن النشر متاح بصورة لم تحدث من قبل، والتواصل عبر الانترنت مع زملاء الكتابة وأيضا مع القراء، يتيح للكاتب إيصال أعماله إلى أي مكان.. وتوجد أيضا دور نشر لها فروع في المشرق والمغرب، أو اتفاقات بين دور نشر مختلفة، لتنشر معا.. ألا ترى تجربتي التي تنشر في بيروت وأبو ظبي والجزائر؟.