لم تعد أخبار اختطاف الأطفال في الجزائر حوادث عابرة، بل إن أكثر ما يؤلم مشاعرنا في هذا البلد، اختطاف البراءة وقتلها، بل إن أكثر ما يدمع المدامع، هذا القتل الجبان الذي نسمع ونقرأ عنه، والمؤسف أننا نصمت إزاء بشاعته. لو سألنا السيف لقال إنه سيكون أشدّ حدة على رقبة مختطفي الأطفال وقاتليهم، ولو سألنا رصاصة المسدس لقالت إنها ستكون بركانا في رأس قاتل الأطفال، أما نحن الصامتون، العلماء ورجال الدين والفقهاء والمحدثون والصحفيون والنواب والوزراء والمسؤولون وقنوات التفاز والصحف والرأي العام والشوارع المضاءة بالمفرقعات في أفراح الصيف، نحن الصامتون عندما تذبح الطفولة ما نحن فاعلون إزاء تمدد الاختطاف والقتل، والاستغلال البشع للظاهرة، وغياب الشفافية الرسمية في التعامل مع هذه الحوادث؟ ألم تهتز منذ أيام قليلة منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر على وقع قضية خيالية اسمها إكرام وزوجها عبد القادر، قضية فارغة تافهة، اهتز لها العلماء والمتفيقهون والمتدينون والعلمانيون والملاحدة، وأولاد الحلال والحرام، وتحول حديث المجتمع إلى "أيقونة بؤس" اسمها "إكرام"، بينما ها هي الطفلة نهال.. وقبلها روضة أطفال.. في ذمة الله، بسبب وحوش بشرية خطفتهم من بين أحضاننا نحو المجهول، قبل أن تفصل أرواحهم عن أجسادهم. ألم نتفاعل بغباء مع قضايا تافهة أخرى ضحكت عنها وعنا الأمم؟ هل نحمّل الحكومة مسؤولية ارتفاع نسبة اختطاف الأطفال؟ الحكومة التي تهدد المواطن بهدم البنايات غير المكتملة.. الحكومة التي تتوعدنا بالزيادة في أسعار الكهرباء والغاز مطلع السنة القادمة، هذه الحكومة أصبحت كحفار القبور تنتظر دفننا مثلما دفنت آلاف القضايا، وهذا الشارع المتعفن بقمامات القضايا التافهة التي يثيرها على زقاق مواقع التواصل الاجتماعي أما آن له أن يترجل من مركبة الأحلام البعيدة عن الواقع الذي نعيشه في العمل والشارع والمجتمع الأسير بقبضة التمويه عن القضايا الأساسية؟ في هذا المقام لن نحتاج إلى الأرقام التي تدل على خطورة ظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر، يكفي أن الطفلة البرئية "نهال" ماتت، وقبلها عشرات الأبرياء، عشرات الأطفال ممن قتلوا بفعل صمتنا. فهل يمكن للحكومة اليوم أن تجتمع بشكل استثنائي وعاجل وتدرس ظاهرة اختطاف الأطفال قبل الدخول المدرسي والاجتماعي الذي سيكون هذا الموسم أسير فوبيا الاختطاف؟ هل يقطع الوزراء عطلتهم لدراسة القضية الخطيرة؟ هل يلتئم البرلمان بغرفتيه وبنوابه وشيوخه لدراسة القضية الخطيرة؟ هل يقول لنا فقهاء علم الاجتماع والتشريع وفقهاء الدستور كيف نحارب ظاهرة اختطاف الأطفال؟ ليتهم يفعلون وما سيفعلون، لأن الأولويات ليست مستقبل الطفولة ولا الأجيال القادمة على ما يبدو، الأولوية لدى الحكومة والأحزاب والنواب ومن يسير في فلكهم، هو ضمان استمرارية الترشح والفوز في الانتخابات القادمة، النواب يريدون البقاء، والحكومة تريد البقاء، والمولاة تريد الفوز لضمان البقاء والمعارضة تريد البقاء وقطاع كبير من القطيع يريد المزيد من "السلفيات" والدعم والمال في إطار سياسة تعميم "الكريدي". نمر اليوم يا جماعة بفترة فيها خلل كبير، لن يتحمل طرف واحد تبعاتها دون الآخر، لأن المسؤولية مشتركة بين السلطة وكل مكونات المجتمع، لا نحتاج إلى الخطب الرنانة والوعود الجوفاء ولغة الخشب، بل إلى أفعال وقرارات وخططط تحمي المجتمع من التفكك، ومن هذا الكم غير المقبول من العنف، ومن خطورة ذوبان قيم التراحم فيما بيننا، حيث أغلب جرائم القتل والاختطاف تمت من طرف أقرباء وأصدقاء وجيران. ليست وحدها داعش الإرهابية من نصف أعمالها بالبشعة، فاختطاف الأطفال وقتلهم أكبر وأبشع الجرائم التي قد تحدث في المجتمع، هل نتحرك سريعا؟ أم سنبكي ونشيع المزيد من ضحايا؟ لقد صمتنا طويلا يا حكومة ويا ناس ويا عالم؟؟ أم نكتفي بترديد رثائيات الخنساء لعلها تكون لنا عزاء.. يذكّرني طلوع الشمس صخرا.... وأذكره لكل غروب شمس ولولا كثرة الباكين حولي.... على قتلاهم لقتلت نفسي