وقّع الأرسيدي شهادة وفاة المعارضة التي كان أحد أقطابها ضمن وعاء تنسيقية الانتقال الديمقراطي، وذلك عقب الإعلان عن مشاركته في الانتخابات التشريعية القادمة المزمع إجراؤها في أفريل من السنة القادمة. قرار الأرسيدي الذي تم الإعلان عنه يعتبر ضربة قاصمة للقرارات الجماعية الموحدة التي ظلت تنسيقية الانتقال الديمقراطي تحافظ على صيرورتها منذ ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة عارضتها المعارضة، وليس الأرسيدي الوحيد الذي أعلن عن دخوله تشريعيات 2017، فقد قررت حركة النهضة ذلك، مثلما يرتقب أن تعلن حمس مشاركتها في الاستحقاق القادم، كونها حركة اعتادت على تجاوز سياسة الكرسي الشاغر. لكن إعلان الأرسيدي هو تطبيع سياسي واضح مع السلطة، يمكن أن يؤدي إلى فتح أبواب الحوار والتنازلات بين الطرفين لضمان مشاركة عميقة، خصوصا لسكان منطقة القبائل، ولنزع فتيل المناورات التي تديرها حركة فرحات مهني الانفصالية باسم منطقة القبائل التي ترفض أحزابها الشرعية التلاعب بالوحدة الوطنية، رغم الخلافات العميقة والجوهرية مع النظام منذ الاستقلال، إلا أن مسألة الوحدة الوطنية ظلت بالنسبة لهذه الأحزاب خطا أحمر ترفض تجاوزه مهما كانت الأوضاع، وهي نقاط تحسب للأرسيدي وجبهة القوى الاشتراكية. و بخروجه من دائرة الممانعة ودخوله أرضية المشاركة يكون التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قد بدأ مرحلة جديدة تتعلق بمعارضة الداخل، وهي التي خبرها في تشريعيات 2007، وغيرها من الانتخابات والاستحقاقات الوطنية والمحلية، فقد كان الزعيم التاريخي للأرسيدي سعيد سعدي خاض غمار الرئاسيات وأعلن عن مباركته فوز بوتفليقة في العهدة الأولى، مما شكل تقاربا مع السلطة في ذلك الوقت قبل أن تتفجر أحداث مقتل الشاب ماسينيسا ومسيرة العاصمة في جوان 2001، وما تلاها من أحداث وتطورات خطيرة مرت بها منطقة القبائل، ما حدا بالسلطة إلى دعم ظهور حركة العروش المستقلة التي قادت الحوار مع الحكومة، وأرست الاستقرار في منطقة القبائل التي عرفت حركات احتجاجية قاسية كادت تعصف بالمنطقة. وغالبا ما تشكل مشاركة الأحزاب المحسوبة على منطقة القبائل تطورا إيجابيا بالنسبة للسلطة لكونها تساهم في استتباب الاستقرار ودعم جهود السلم، وفق سياسة الاحتواء التي تحاول السلطة ممارستها باستدراج حزبي الأرسيدي والأفافاس إلى المشاركة. ويفسر ترحيب الأمين العام للأرندي بقرار الأرسيدي رغبة السلطة في أهمية مشاركة أحزاب المعارضة الاستحقاق التشريعي، خاصة أن منطقة القبائل هي القاعدة الأساسية لحزب مثل الأرسيدي في الاستحقاقات، بينما لا تملك أحزاب الموالاة أي حظوظ في الفوز بالمقاعد التشريعية هناك. كما أن تلك المشاركة من شأنها تقوية مواقف الحكومة وإضفاء الكثير من المصداقية على خطابها والتزاماتها بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة تطعن أحزاب المعارضة في مصداقيتها، ورغم ذلك فهي تشارك فيها دون تردد سياسي ولا أي تحفظ منها.