مع أني ''صخشيا'' لست من أتباع ''نظرية'' الدولة التي تبدأ بسي احميمد وتنتهي بسي احميمد أيضا، إلا أن جزءا من تلك النظرية ثابت ويحتاج لتأكيد فقط، وهو ما سنراه بعد سنين غير عجاف ليس فيها أزمة ولا غمة ولا همة، كما كان يقول الأفغاني! الدولة وسي أحميميد! أما النظرية هذه، فقد ابتكرها جزائريون منذ أن أحسوا بأن دولتهم التي كانوا يتوقعون أن تكون أحسن البلدان بعد أن دفعت أغلى الأثمان (في الثورة) عادت تشبه دولة الرعيان! فهذه بدأت بسي احميمد في إشارة لأول رئيس منتخب هو أحمد بن بلة مد الله في عمره أو لم يمد وهي خاوية على عروشها، ويفترض أن تنتهي بنفس الإسم، وبالطبع لن يكون احميمد الأول بعد أن شاخ وهرم ولم يعد بمقدوره أن يحكمنا، والحمد لله أنه عوضنا خيرا منه زين الشباب والكهول وزيرنا الأول والأخير، واسمه من حسن صدف الدولة (الغانية) أن اسمه احميمد أيضا، وهذا معناه أن الرواية كما وردت في نظرية دولة سي أحميمد اكتملت! فالدولة هنا والأدوات واحميمد ومن يسبح بحمده أيضا··· كلهم موجودون ولم يبق إلا انتظار أن يأتي الزمان ويبدأ التنفيذ، وها هو سي احميميد من بين كل الخلق الذي نتوسم فيه علامات الترييس (من رايس) على وزن علامات النبوة، قد أعلنها صراحة وبعظمة لسانه! فقد قال بغير مناسبة أو مناسبة أنه مشروع الرئيس القادم، وهو مترشح لها، وإنه لن يذهب لبيته الآن، أو يذهب إلى المعارضة، يقصد الشكلية، إن تخلى عنه الرئيس الحالي كوزير أوّل! وأحسن من ذلك، قال أيضا إنه لاتوجد أصلا ما يسمى بأزمة سياسية في البلاد! والأكيد أن الرجل الذي تمرس في الإدارة والسياسة، لديه المبررات الكافية لكي ينفي وجود أية أزمة من هذا النوع وهو يعرف مايقول··· فماهي مظاهر أزمة سياسية في أية دولة حتي يقال عنها إنها أزمة؟! واحد: إن القوم عجزوا عن تكوين حكومة تحكم كما هو الحال عادة في لبنان أو في مملكة بلجيكا، وضمن هذه الأخيرة خرجت أصوات شعبية تنادي بانتفاضة في الشارع على الطريقة التونسية لإجبار الأحزاب على الاتفاق على حكومة! إثنان: أن تحصل انتخابات نزيهة ونظيفة ويمنع فيها الرابح من كرسي الربح، كما هو حاصل الآن في الكوت ديفوار، أو كما حصل عندنا أيام عز الفيس المحظور قبل نحو عشرين عاما، ولد بعده نصف السكان ولم يعودوا يذكروه إلا كذكر الذين رفعهم الرحمان إلى جواره!ثلاثة: يشترط في وجود أزمة سياسية وجود سياسة أولا، وهذا شرط مسبق للاعتراف بالأزمة، وثمة فرق بالطبع بين ممارسة السياسة وممارسة السياسة السياسوية، والسياسة المسوسة، واعتبار مشكل ندرة الماء أو الحليب فعلا سياسيا من عدم اعتباره·· لكن ثمة إجماع من السلطة على الأقل من أيام الشاذلي بن جديد أن سياستنا واضحة··· ومن لم يرها فعليه شراء نظارات طبية أو إجراء عملية جراحية تكلف بقرة وبنتها! أربعة: أن تحدث فضيحة أخلاقية على شاكلة ماحدث لبرلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا المتهم باغتصاب فتاة قاصر، أو كما حدث مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك المتهم بتزوير وظيفتين حين كانه يشغل منصب رئيس بلدية باريس، وبدرجة أقل ماحصل مع بيل كلينتون والمتدربة الجميلة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي! ويجب التأكيد هنا على أن المهم ليس مايحدث، وإنما مايعتبره المجتمع أو الرأي العام عملا غير مقبول، لأن الاغتصاب والتزوير في هذه البلاد بالقناطير المقنطرة، ومع ذلك توضع تلك الأفعال في خانة ملحقات المنصب والوظيفة! عظم كبير و''تمشميش'' أكبر إحدى الثغرات الرئيسية الموجودة في نظام الحكم (في الجزائر) أو في البلدان العربية، أن الحاكم لايحضر عادة من يخلفه، عدا الأنظة التوريثية· كما كان يسعى مبارك وصالح مع قومه ثمود والقذافي لتوريث الحكم والسلطة للولد! ولهذا عندما قال عمنا العقيد أحمد بن شريف يوم كان قائدا للدرك الوطني عقب وفاة بومدين وقبيل أن تظهر صورة الشاذلي، إننا دخلنا الآن ''الأوتوروت''، فإن ذلك ليس صحيحا بالمرة، لأن هذا الأخير، أي ''الأوتوروت'' مازال وزيرنا عمار غول لم ينظف يديه منه! وعندما يقول أحمد أويحيى أنه سيرشح كرئيس (ليس في الحمام) كما قيل لسعيد سعدي حين مارس دور الأرنب قبل سنوات وفي يده صك ضمان بالنصر (ولو على مصر)، فإن ذلك قد لايكون صحيحا وثابتا أيضا على طريقة ''الأوتوروت''، لأن شقيقه على سكة الحديد الميترو قد لايتحرك إلا بعد عشر سنين أخرى، حين يكون احميميد وغيره ليس في حاجة لركوبه (للعمل) بعد أن يتجاوزوا الستين وربما السبعين ويصبحون في عداد المتقاعدين أو المقعدين، إلا بالطريق إذا تغيرت القوانين وحذف ذلك المرسوم غير المعلوم بأن كل إدارة عامة إن ثبت بأنها تحتاج لإعاقة أكبر ترفض تسريح موظفها القمقوم وعاملها غير المعنون ولو كان يمشي على ثلاثة أو أربعة، فالعمل هنا كالدين النصيحة، ولم لم تكن بالمجان· أما كيف سيصبح سي احميميد أو كل احميميد آخر رئيسا، فالمشاركة بالنظر إلى كون الأزمة غير موجودة تبدو روتينية وبسيطة: يترشح الزعيم باسم الأحزاب التي تقاد كما تقاد الكلاب لمأدبة فيها ''تمشميش'' كبير من لحية الدولة، وتبدأ الأصوات في الارتفاع للتلميع والألوان··· فزعيمنا وزعيمكم كما يكتب السوريون عن بشارهم (الصيد) حكيمنا منحبك، أي نحبك وليس العكس (ميم النفي)! والمهم الآن أن عدد الذين يصفقون باليدين والكرعين سيصل إلى الآلاف، فهذه مهمتهم تقديم خدمات للزعيم والإصرار على ذلك في كل حين، إلى أن يحمل هو منهم، ومع ذلك لا يتركونه يمشي في سبيل حاله! وهذا جيل كامل من المصفقين أو المهرولين أو المتسلقين ممن ليس لهم مايقدمونه إلا الولاء ولو كان ولاء أعمى! فهذه النقلة إن حدثت بالفعل فإنها ستؤمن مشكلة استخلاف الطبقة السياسية، إن جاز تسميتها طبقة، لأنها في الواقعة مطبق عليه أو على الأقل في طبق لاتسمع فيه ''طف'' إلا عند الحاجة! والضرورة للإيهام بأن كل شيء على مايرام، وأن الساسة هم الحكام وليس غيرهم مع واجب التقدير والاحترام والعرفان! فما الذي يمكن أن يعيق هذا المسعى الذي سيضمن وصول أمثال سي أحميميد صاحبهم إلى المكان المعلوم والمنصب المرموق؟ المعوق الأول اسمه مفاجآت أو مفاجعات كما يقرأها بعضنا، فكما أن رجل بحجم جيسكار ديستان التقى بقدره ليصبح رئيسا، فإن نفس القدر قد لايعود حتى وإن تشابهت الظروف مع وصول طبقة الانتهازيين وضعاف النفوس إلى مراكز السلطة ممن يسمون مسؤولي الصدفة! ولا بد من الأخذ في الحساب أن سي أحميميد، إن هو تعثر فلا يسقط إلا كما يسقط القط بعد نط طويل على قدميه، فيخرج دائما سالما معافى! المعوق الثاني: أن تعجز السلطة عن إشباع رغبات المطالبين والمحتجين ممن يريدون سكنى ورفدة ووجبة وزوجة مليحة، وإن أمكن معها هوندا من لحية الحكومة أو بالتقسيط المريح، فمعظم الخلق هذه قضيته الأولى والأخيرة··· البطن والجنس، ولاغير سواهما، حتى الحرافة، يقول بعض المحللين، في عالم الاجتماع إن مشكلتهم الأولى جنسية·· أما الباقي·· من يحكم وكيف ولماذا وكيف أتى وكيف ذهب، فهذه أسئلة سياسية لايريدون أن يخوضوا فيها خوضا، وبالتالي فهي غير موجودة، ومادام أنها كذلك فلا توجد أزمة في فراغ، أو أدعوا الله أن يطول عمر سي احميميد لتروا نهاية الدولة على وزن نهاية الحضارات!