عض هذا التشاؤم من إقامة المهرجان، لمسناه أيضا لدى الشاعر جيلالي نجاري الذي قال لنا: "من موقعي ككاتب وفاعل ثقافي منذ عدة سنوات، أتمنى أن يستثمر هذا الحدث الثقافي لإبراز الطاقات الثقافية والإبداعية التي تزخر بها بلادنا في شتى الميادين.. الجزائر تستحق أن تكون معروفة أكثر بمبدعيها الذين تحت التراب والذين فوقه..".. دعونا نتساءل في هدوء الحكماء، كم كاتبا أو فنانا جزائريا يعرفه الجمهور الإفريقي؟ كم كتابا أو لوحة تشكيلية أو قصيدة شعرية أخذت وجهتها باتجاه هذا العمق الإفريقي؟ أعتقد أن الإجابة ستكون قريبة من العدم إن لم تكن كذلك لأن الذي حدث منذ الاستقلال هو العكس؛ فالبوصلة الجزائرية كانت دوما تتجه صوب أوروبا وفرنسا تحديدا، فوطأة الهيمنة الثقافية الغربية أفقدتنا الاتصال بإفريقيتنا بل إن البعض كان، وما يزال، يرى في هذا الانتماء نوعا من "النوسطالجيا" إلى التخلف، وتحت نفس التأثير كدنا نفقد بعدنا العربي.. اليوم، وقد تعولمت الثقافة كما تعولم الاقتصاد، نحن مطالبون بالعودة إلى الجذور، إلى منابعنا الأساسية المتمثلة في بعدنا الإفريقي الأصيل، وهذا يقتضي منا الاهتمام بما يجذّر هذا الانتماء"، وهنا يعتقد صاحب "... " أن "هذه العودة لن تتأتى إلا إذا أعدنا ربط وشائج الثقافة التي انصرمت بيننا وبين إخواننا في جميع دول إفريقيا من خلال تحرير الكِتَاب.. ذلك الفانوس الذي يقود الأمم إلى الأنوار..، نحن نكاد لا نعرف شيئا عن الكتابة والثقافة في جل البلدان الإفريقية وأرى أن هذه فرصة للاطلاع وربط العلاقات الثقافية/ الجوهرية فيما بيننا". وعن ضرورة المهرجان يقول نجاري إن "كل ما يصبُّ في خانة الثقافة والفعل الثقافي ضروري بالضرورة.. ليس هناك ترف في مسألة الثقافة التي نبقى في أشدّ الحاجة إليها، خاصة في ظل هذا التصحر الرهيب الذي نعاني منه كشعب غني ماديا وفقير حضاريا..، صحيح أن ثقافة المهرجانات قد شابها الوافر من التشويه وطالها الكثير من الانحراف أيضا، ومن خلال تجربتي أعتبر أن العمل الجاد والنوايا الأصيلة في كل مشروع هما محددا النجاح، وبالتالي أقول على الوزارة الوصية على تنظيم هذا المهرجان تحديد أهدافها المتوخاة منه حتى تتمكن من قياس مدى نجاحها من عدمه..، هكذا تشتغل المؤسسات الحقيقية". ويذهب نجاري في حديثه ل"البلاد" بعيدا إلى القول "كل ما أستطيع أن أقوله الآن هو رجائي وأمنيتي العميقة ألا يكون المهرجان مشابها لتظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007..، لابدّ من الكفّ من سياسة البهرجة الثقافية والتباهي بالأرقام التي لا تعني الشيء الكثير، وفي هذا الصدد أتذكر ما قاله أحد الحكماء في مسألة الأرقام حيث شبهها بالمايوه من قطعتين، فهو يظهر كل شيء إلا الأمور الأساسية"، وهنا ف"المال ضروري بكل تأكيد وهو عنصر يصنع الفرق دون مواربة، لكنه في الجانب الآخر هو صنو الشيطان ومستشار سيء للغاية كما يقال..، في مجال الثقافة، الأهم هو الذكاء، فبكثير من الذكاء وبعض المال اليسير يمكن صناعة المعجزات، هناك بعض المشاريع غير المكلفة ولكنها إن برمجت فهي تصنع الفارق مع مشاريع البهرج الزائف، تصوّروا معي لحظة واحدة لو تستضيف الجزائر مثلا وولي سوينكا، الكاتب النيجيري الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1986، وتطلب منه كتابة بضع صفحات عن الجزائر، كيف سيغدو الأمر بعد ذلك؟ وكم سيكلّف ذلك على المستوى المادي؟ أترك الإجابات لمن يهمهم الأمر". *** "مرت بسلام، الحمد لله