تميز التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة بالغياب الواضح لأي اهتمام لدى المراقبين والمتتبعين للشأن السياسي والإعلامي في الجزائر بعنصر الفيس المحل في المعادلة الانتخابية لحدث الرئاسيات المقبلة. وقد شكلت هذه الحالة خلافا للمواعيد السابقة التي كان الحزب المحل يستقطب خلالها اهتمام قطاع واسع من المراقبين والمتتبعين وكان آخرها انتخابات 2004 وقد تكون الأخيرة، بحيث لا يستبعد متتبعون لمسار الفيس أن تتطابق هذه المرة مواقفهم مع واقعهم وذلك خلافا للمرات السابقة التي طغى فيها بعد الوجود النظري على بيانات وشّحتها على استحياء توقيعات لبعض قيادات هذا الحزب كما رجح ذلك مهتمون بملف الفيس، حيث لم يتردد هؤلاء في الجزم على الأقل سنة 2004 بأن قيادة الفيس التي حاولت الاجتماع قبل رئاسيات 2004 والخروج ببيان وقعوه مجتمعين نظريا، وعلى الورق لم يكن له ظل في الواقع الانتخابي وعلى القواعد التي كانت تمارس عليها سيطرتها بداية التسعينيات وغداة الانفتاح السياسي، خاصة فيما يتعلق باتخاذ قرار من الرئاسيات أو أي قرار آخر ذي صلة بالشأن الجزائري وذلك نتيجة أسباب موضوعية وذاتية كثيرة سيكون البسط فيه لغويا سياسيا وإعلاميا وهو ما جعل العارفون بشأن الفيس سنة 2004 وبمناسبة انتخابات رئاسية رافقتها رهانات وتجاذبات كبيرة يسفّهون سياسيا استجداء بن فليس قادة الفيس وخطب ودهم. بينما حافظ بوتفليقة حيالهم على موقف حذر بين طرفي الاستجداء والاستفزاز لعلمه يقينا أن العلاقة بين قادة الفيس وبين قاعدته أضحت في حكم العدم والتاريخ بينما أضحت القاعدة العريضة لهذا الحزب في حكم ''الهمل''، في ظل عجز الطبقة السياسية الحالية بكل مكوناتها عن تثمين واستثمار الشحنة الاجتماعية والوهج السياسي للمنخرطين ولكن ليس قصرا على المعنى التنظيمي في مسار جبهة الإنقاذ. علما أن قطاعا واسعا من هذا الانخراط ليس وقفا على الفيس ولا على التيار الإسلامي، بقدر ما هو وقف على عقلية اجتماعية لدى الجزائريين من جيل ما قبل الأزمة خاصة، وقد أثبت التسلسل الطبيعي للتطورات الانتخابية بمناسبة رئاسيات 2004 أن قادة الفيس لم يكونوا فقط يعانون من انفصام وشرخ كبير بينهم وبين ما كان يسمى قواعدهم، بل أثبت موقفهم الداعي إلى انتظار الدور الثاني للإفصاح عن موقفهم بأنهم يعانون من تأخر عن الواقع مقداره على الأقل عقد من السنوات الضوئية، وعلى هذا الأساس، لا يستبعد بعض المتتبعين أن تكون انتخابات الرئاسة لسنة 2009 أول موعد انتخابي يغيب فيه الفيس من المشهد السياسي ومعادلة الزج الإعلامي ورهانات إمتاع البلاط الانتخابي، ولكن دون أن يكون هذا الغياب حاملا في طياته معاني موقف ما، لسبب بسيط هو أن جمهور قادة الفيس -برأي المتتبعين- قد انخرطوا في منطق إكراهات الواقع وأعلنوا رضوخهم لقوة الظروف ولكن الحقيقة -برأي متتبعين آخرين- أن غياب الفيس وجمهور قادة الفيس يخضع أكثر ما يخضع لمنطق دفع ضريبة انتقام الأفكار القاتلة والمخذولة في الاجتماعيات، كما يقول مالك بن نبي.