في مشهد يتكرر يوميا أمام أعيننا، دون أن يثير فينا وفي الحاكمين بتيهنا وضياعنا وتبددنا سوى مرور “الأزلام” على ما آل إليه ورسا “تحته” وطن العظماء و”العقماء” هذا، وجدتني رفقة صديق طفولة نجوب ليلا شوارع قديمة من “دوار” حولته المباني إلى مدينة مفتوحة على الظلال،كانت تعني لنا الكثير، قبل أن يطالها مسخ وقفّنا عليه كما وقف عليه وكما يقف عليه جميعنا و”جميعهم” يوميا، ...مشهد عادي و”يومي” جدا، نمر على مرارته في كل حين، نتابعه كحصة من “يربح” ومن “يذبح” المليون وبعد نهايته بسقوط من “انتهى” فيه أمام أعيننا نواصل حياتنا وسط مليون ومليون مليون من شهود الزور وشهود “تخطي راسي”، فلا شيء يستدعي الذكر، ولا شيء يستحق الذكرى، فكل التهاوي وكل المشاهد محطات صغيرة في رحلة طويلة انتهت بوطن الشهادة لتسيير مشاهد الزور و”البور” الوطني العام.. ذلك المشهد، الذي حز في نفسي لأنه واجهني “بجبني” كما واجه عشرات ممن تابعوا أحداثه لحظة لحظة، ولكمة لكمة، و “ركلة ركلة”، بغثاء سيلهم، ذلك المشهد بسيط ومكرر جدا، ومختزله ، أننا حيث كنت وصديق طفولتي نتوشح ليلا ذكريات صبا بين شوارع مدينتي التي لم تعد تشابه “قريتي إلا في اسمها ، أبصرنا جمْعا من الناس وتجمعا من السيارات، أحدثت خللا مروريا قطع ذكرياتي وصاحبي، وحين اقتربنا من المكان المزدحم ليلا لنستكشف مجراه ، رأيناه ساقطا على الأرض،كان واحدا وكانوا يفوقون العشرة من فتيان تدالوا على ضربه ولكمه وطرحه أرضا ، وأمامهم، حيث كنت أنا و صاحبي، وقبلنا كانوا عشرات من المتفرجين الذي سبقونا إلى ساحة المعركة غير المتكافئة،بين “صريع” واحد وعشرة شخوص صارعين وضالعين في الضرب، تفرجنا كلنا، عن عجز و”جبن” عام وعائم فضح فينا كم هو مؤلم وتافه وبائس أن تُعدم فينا “نصرة” ضعيف تكالب عليه عشرة ضباع ، لنقف مكتوفي ومشلولي الأيدي منتظرين معجزة تأت من السماء لتنقذ ضحية قبل أن يغمى عليها من شدة الضرب، أغمى عليها من شدة تفرجنا عليها وهي تنزف استجداء “لشهامة” لم تكن موجودة في موقعنا وفي ليلنا ذلك، فقد جئنا كلنا للتفرج أما عدا ذلك فإن “تخطي راسي” قاعدة ورثناها من مُسلّمة “لا تتدخل في ما لا يعنيك”.. الغريب في قصة ذلك الذي تفرجنا على نزيفه زرافات وجماعات، أن ساحة فقدانه لوعيه، كما لم تكن بعيدة عنا نحن الحضور وعددنا يفوق الأربعون “جبانا”، فإنها لم تكن بعيدة عن سيارات شرطة كانت مرابطة على بعد 150 متر من “عين” المكان، تراقب مفترق طرق لسحب رخصة السياقة ممن لم يربط حزام الأمن، وبالطبع وبعد أكثر من هاتف و”مهاتف” وصلت الشرطة، كما وصلنا نحن سابقا، لكن بعد ماذا؟؟ بعد أن تفرق “عشرتهم” مخلفين وراءهم من كاد أن يكون “جثة” لولا عناية الله ورحمة “ضاربيه” رأفة به، فرغم أنهم كسروا له بدلا من ضلع واحد “أضلع” ورغم أنهم هشموا أنفه وٍرأسه وأفقدوه القدرة على النظر وعلى الوقوف وعلى استعاب ما حدث له وهو “بيننا”حيث الجبن كان إمامنا ، إلا أنهم في النهاية كانوا أرحم منا حين عفوا عنه ولم يقتلوه بخناجر كانت مشهرة، لتعود إلى أغمادها بعد أن قضى المعتدون من ضحيتهم ومنا حيث ما يفوق الأربعين جبانا وطرها.. القصة انتهت هنا، و أقصى بطولة تمخض بها جمعنا بعد نهاية “الملحمة”، أن كلنا علق” لبلاد راحت” و”ربي يلطف”..لكن كيف “راحت”، ذلك هو السؤال الذي يخفي غيابنا وغياب السلطة ممثلة في الأسرة والمدرسة والمسجد والشرطة والعدالة ...وممثلة أكثر في غياب الوطن ؟ فهل العلة كانت فينا نحن، حيث كنا “القطيع” الذي شاهد “جبنه” جاثما أمامه، ورغم ذلك ذهب للنوم بعد نهاية المهزلة وكأن لا شيء ولا “جبن” كان، أم في مصالح أمن، وصلت متأخرة، لأن الأوامر تستدعي قبل تحركها أن تطلب إذنا ممن هو أعلى سلطة لكي تنقذ فريسة وضحية لن يكون لها شأن إلا بعد أن تصبح “جثة” هامدة، حيث يبدأ التحقيق وتبدأ الاستجوابات ويصبح للجثة مكانة مرموقة في عين “العدل” الذي سيقتص لقاتلها بعد “حين” وحين.. هل تدرون قمة المهزلة في شاهد على “جبنه” وعلى “جبن” أربعين جبان مثله، تفرجوا وناموا بعد الواقعة قريري العين، أن الشرطة التي وصلت متأخرة، حين سألت عن خلفيات الحادثة وعن هوية مقترفيها، قال كلهم بأنهم لم يكونوا موجودين، لو وصلنا للتو، مع الشرطة، فنحن لم نر ولم نسمع ولا نتكلم، والسبب بالإضافة إلى ما نحن متفقون عليه من “جبن” مبرره “تخطي راسي”، فأنه ولا واحد منا عنده الوقت لكي يضيع مصالحه في “سين وجيم” أمام المحققين ثم أمام القضاة كشاهد جبن..ببساطة لا أحد مسؤول إلا على “رأسه”... نهاية الأمر، الشاعر والكاتب والصديق “محمد ياسين رحمة” برر لي “جبني” وجبن أربعين مثلي ممن كانوا شهود على ضياع الشهامة في ليلتنا البائسة تلك ، بأن واسني بقوله: ” ربما أن الشجاعة والإقدام من فضائل الجهل.. وربما أن الجبن والخنوع من نقم المتعلم.. ودعني أكتب على هامش الفكرة أن ثورة التحرير الجزائرية انتصرت لأن نسبة الأميين فيها كانت الغالبة، بينما انكسرت وتنكسر ثورات لأن نسبة المتعلمين فيها هي السائدة”..فهل ترى الجبن مقترن بال”فهامة”... للعلم وللتذكير فقط، الضحية الذي صرعه عشرتهم أمامنا ، استجمع قواه المتبقية لينطق بشيء واحد أمام رجال الشرطة حين سألوه عمن فعل به هذا، بأن قال لهم: لقد تعثرت وسقطت..ورغم محاولات رجال الأمن إلا أنه اكتفى بمسح الدماء التي تسيل من وجهه ليهاتف متعثرا مجهولا في جهة أخرى: راهم “حقروني” و ضربوني..وين راكم؟ والبقية أنتم وأنا والشرطة يعلمون..سينتقل بعد أن يتعافى “زنقة زنقة دار دار شارع شارع” لأخذ حقه بيده والثأر ممن ضربوه.. وسؤالي “وين راها الدولة..والأهم وين راه الشعب؟؟”