تبدأ حفلة الاستقبال التي يعدها الجلاد على شرف الضحية .. في مكان اعتقاله .. في البيت أو المزرعة أو الشارع أو ممر النزوح .. و في لحظة الاعتقال تحديدا تبدأ المعاناة ( الضرب المبرح بالعصي وأعقاب البنادق والسياط وبقبضات اليدين والأسلاك المجدولة ) .. ممزوجة بسيل متدفق من البذاءات التي لها أول و ليس لها آخر . و بمجرد أن تعبر قدما الضحية عتبة الجحيم .. ليستقر في مركز الاعتقال .. يبدأ الاختبار القاسي (إهانة وإذلال وترهيب .. و تجريد من الملابس .. ليترك الضحايا قرابة 24 ساعة في العراء .. – كما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية ) . يحدث كل هذا .. بسادية فظيعة .. حيث لا وقت للمساءلة ..و لا فرصة لالتقاط الأنفاس .. و لا مجال للتمييز .. فسيان أن تكون طفلا أو شيخا أو امرأة .. هذا لا يهم .. ففي مركز امتهان آدمية الإنسان .. لا مكان لاختبار العواطف .. فإن لم تكن جلادا .. انتهيت ضحية و كفى . *** ينقضي حفل الاستقبال الصاعق بسرعة .. لتزج الضحية في ( العوالم الكابوسية ) – بتعبير التقرير المذكور – .. ( حيث يصل التعذيب الممنهج و غيره من ضروب الإساءة إلى مستويات غير مسبوقة ) !!.. ممنهج .. معناه تعذيب منظم تشرف عليه أجهزة حكومية .. و توجهه أوامر و تعليمات تنزل من فوق . يضيف التقرير : عندما دخل الجزار الدمشقي حمص .. شاهرا سكينه ( كانت أوامر الضباط للنساء بالتجرد من الثياب .. والتعري .. ونزع ملابس الأطفال .. ليختاروا ما يعجبهم من الأجساد التي تثير غرائزهم ...) .. يقول شاهد العيان الذي نجا من المجزرة ( لم أسمع طلقة واحدة توجه إلى الضحايا الشهداء من الأطفال والنساء .. كل ما كنت أسمعه : لا تذبحونا ، حسبنا الله ونعم الوكيل منكم ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أغيثونا يا مسلمين ) . هذه المرة .. لم يكن الجزار صهيونيا أو إفرنجيا أو مغوليا.. لم يعبر الحدود .. بل نبع من الداخل كعادته في أرض الممانعة .. كان من حماة الديار .. الذين تحولوا إلى وطاويط بشرية .. تمتص الدماء و تردد ( للأبد .. إحنا شبيحتك يا أسد) !!! *** يقول التقرير السالف الذكر ( ثمة إحدى و ثلاثون طريقة ) للذبح في سوريا .. كلها مباحة في مراكز الاعتقال .. أغلبها يحمل أسماء آلات .. فلدى الجزار الدمشقي ( الدولاب ) .. حيث تجبر الضحية على اتخاذ وضعية إطار السيارة وتعليقها أو رفعها مع استمرار ضربها بالكابلات أو العصي .. و( الشبح ) .. حيث تعلق الضحية بخطاف ، أو مقبض باب ، وترفع بشد قيود يديها و بالكاد تلامس قدماها سطح الأرض.. ومن ثم تتعرض للضرب المبرح .. و( بساط الريح ) .. الذي يشد وثاق الضحية إلى قطعة خشب لها شكل الجسم البشري ، ليبدأ التنكيل بها أو توجيه صدمة كهربائية إلى كل أجزاء جسمها .. و( الكرسي الألماني) ..الذي له أجزاء معدنية قابلة للحركة ، يشد عليها وثاق الضحية من اليدين والقدمين .. و حين يتجه مسند الكرسي الخلفي إلى الوراء .. يسبب توسعاً كبيراً في العمود الفقري وضغطاً مؤلماً على عنق الضحية وأطرافها ، مع صعوبةالتنفس إلى حد الاختناق ، و فقدان الوعي ، و ربما انكسار الفقرات .. و ( الكرسي السوري ) .. الذي هو تعديل أدخله خبراء التعذيب السوريون على الكرسي الألماني .. فأضيفت شفرات معدنية على الأرجل الأمامية للكرسي في موضع شد قدمي الضحية .. لتسبب نزفاً دموياً حاداً في رسغ القدم ، وكاحله .. و ( الغسالة ) .. و هي عبارة عن طبل مغزلي أجوف يشبه حوض ماكينة الغسيل المحلية الصنع ، حيث تجبر الضحية على مد يديها إلى داخله حتى يدخل الذراعان .. و النتيجة سحق الذراعين أو اليدين والأصابع .. و ( المكسالة ) .. التي تفرض اضطجاع الضحية على الظهر في مواجهة شفرة تتقدم نحوها قبل أن تمس العنق مباشرة .. و ( الكماشة ) لسلخ الجلد .. .. قبل تعليق الضحية في الشارع .. أو رميها في العاصي . هذا هو العرس اليومي .. الذي تديره ” أوركسترا ” حماة الديار .. على وقع أغنيات المقاومة .. و أصوات راجمات الصواريخ. *** سابقة في التاريخ أن يتولى ( جيش وطني !!! ) ذبح الشعب .. و فيه أمه و أخته و ابنته .. كل الجزارين الذين سبقوا ذبحوا شعوبا أخرى .. إلا الجزار الدمشقي فهو يذبح من يحمل جنسيته .. و لا يستلذ إلا لحم أقاربه .. في 1982 سحق مدينة حماة .. و مكث فيها شهرا يشوي لحوم ساكنيها و يلعق دماءهم .. كان يجلس على أطلال المدينة المفجوعة يلهو بسادية .. و يشرب نخب الانتصار على الجثث المتفحمة .. و هو اليوم يعمم خيراته بالتساوي .. ليستفيد منها الجميع .. فمن يبرع في الصنعة الدموية .. يجلس على الكرسي للأبد . *** ماذا يعني أن تكون مواطنا في بلد يحكمه جزار ؟ باختصار .. أن تنتظر دورك في طابور الماشية .. و أن تتهيأ للذبح على طريقة الشبيحة و المخابرات الجوية و الأمن العام .. و ألف فصيل من عيون النظام و أدواته .. فحامل السكين له أن يجلدك أو يحرقك أو يسلخك أو يطردك خارج الحدود .. أو يقدمك هدية لكلابه و ذئابه ..!! أليس لهذا السبب .. صرخ ذلك المواطن السوري ( أنا إنسان .. ماني حيوان ) .. لقد اكتشف أخيرا .. و هو يقف على الحدود التركية .. أن الإنسان يولد إنسانا .. غير أن الجزار يحبسه في زريبة .. على ذمة ذبحه حين يجوع .