في غمرة الصدام القائم بين أنصار الشريعة وخصومها.. ثمة من يؤمن بأن الشريعة هي ملاذنا الوحيد والأخير.. للخلاص من نكباتنا وأمراضنا المستعصية.. وفي المقابل.. ثمة من يدعي أن الشريعة.. غير مؤهلة لحكم مجتمع ينتمي للقرن الحادي والعشرين.. ويسوق تهمه تحت عناوين جذابة.. كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. والآفاق غير المسبوقة للعلم.. وقيم الحداثة.. والقرية الكونية.. بل والإنسان الذي يمسك مصيره بين يديه!! ليس غريبا إذا.. أن يعلن الاستئصاليون في الجزائر النفير العام.. ويطلقوا جوقاتهم المزعجة.. لتحذير الناس من الخطر الداهم.. لو فاز الإسلاميون في الانتخابات التشريعية.. وأعلنوا دولتهم الإسلامية.. وبسطوا حكم الشريعة على المجتمع.. بتقديرهم طبعا!!
هذا ما يروج الآن.. في وضع شبيه ببداية التسعينات.. فاليوم كما الأمس.. نجد استئصاليا يرفض وصول الإسلاميين إلى الحكم.. وكأنه سيد هذه الأرض بلا منازع.. وآخر يصرح (إن منعوا الفن.. سأنتفض ضدهم).. وثالث يعترض على فكرة المجلس التأسيسي (الذي سيقودنا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في بلادنا).. وغيرهم يعد العدة للرحيل.. لأنه غير مستعد للعيش في دولة طالبانية.. ترتد ألف سنة إلى الخلف!! وبالجملة.. هذا مشهد أشخاص مضطربين وفزعين من (البعبع القادم).. لذا يحتشدون في مواجهته.. فالأمر بالنسبة إليهم قضية حياة أو موت.. فاللائكية لا تعيش بجانب الدين.. واللائكي محكوم بإشهار سيفه في وجه الشريعة لأنها قائمة ضد قناعاته. فهل الشريعة مرعبة، وقاسية، ومستبدة بعقل الإنسان وقلبه.. إلى حد إعلان التعبئة العامة ضدها؟
^^^
الظاهر أن بعض مخرجي مسرحية التسعينات.. يستعدون الآن لإعادة عرضها.. دون أن ينتبهوا إلى أن المسرح فارغ.. والممثلين عراة.. وبلا لباس تنكري .. والحكواتي مجهد.. والحيلة التي انطلت على المتفرجين في زمن مضى لا جدوى منها الآن.
فالاستغفال والاستعباط.. من مفردات قاموس عتيق.. لا تصلح أبدا لتغليف الاستبداد أو تحلية مراراته.. فالأشياء لم تعد كما كانت من قبل.. تغير الزمن.. وتبدلت المعطيات والمفاهيم.. ونحن بالفعل نعيش في القرن الحادي والعشرين.. وليس في تسعينيات القرن الماضي.
لهذا السبب سأطرح سؤالا غير متوقع.. سؤالا يكتسب شرعيته من انتمائه لهذا القرن.. وهو موجه للخائفين من الشريعة تحديدا: هل تصلحون لتكونوا مجتمع الشريعة؟ أي.. هل أنتم مسلمون بما يكفي.. حتى ينطبق عليكم حكمها؟
أو بمعنى آخر: هل تحملون المقومات الإنسانية لتنتموا إلى دائرة المعنيين بتطبيق الشريعة؟
من هنا يجب أن نبدأ.. فالانتساب الزائف للإسلام.. كادعاء الديمقراطية من قبل ديكتاتور متفرعن.. قفزة في الفراغ.. ومحض كذب وخداع.
^^^
بعض الناس مطالبون بإعلان إسلامهم من جديد.. قبل أن يتبرعوا علينا بأحكامهم.. ودين الله ليس زائدة فكرية أو حياتية حتى يستغنى عنه بهذا الأسلوب الفج.الوضع السليم.. يقتضي أن ينظر هؤلاء إلى المرآة.. ليروا ما ينعكس منها.. ثم يسألوا أنفسهم: هل نصلح بهذه الحال البائسة لتطبق علينا الشريعة؟ وهل نرقى بصورنا المزرية لنستوعب جوهرها.. القائم على الإيمان والنقاء والإخلاص والوعي بحكمة الدين.. والبصر بالواقع؟
بتعبير آخر: أيعقل أن تزرع الأزهار في حظيرة الحيوانات.. أو أن تلقى البذور في أرض سبخة؟
في الحالتين.. تذبل الأزهار.. ولا تنبت البذور.. وكما أثر عن المسيح عليه السلام.. (لا تلقوا درركم بين أقدام الخنازير).
^^^
الشريعة ليست خطابا لغير المسلم.. وهؤلاء الذين تخصصوا في مخاصمة الإسلام والكيد له.. مطالبون ابتداء بتجديد انتمائهم لهذا الدين.. وبالتطهر العميق من اللوثات الفكرية التي تسكن عقولهم وتفسد أخلاقهم.
نقول على سبيل المثال.. من يفكر في تطبيق عقوبة السرقة في مجتمع يعج باللصوص.. سينتهي ضحية لهؤلاء الأوغاد.. وقد تطوى معه قصة الشريعة.. أليس من الأفضل أن نزيل الركام قبل أن نشرع في البناء.. عقول وقلوب كثيرة بحاجة ماسة إلى التطهير.. فحيث تأخذ اللصوصية طابعا وبائيا.. وتحرسها أفهام مغلوطة وقوة غاشمة.. تكون البداية بزراعة قناعات مضادة لهذه اللصوصية.. ورعايتها حتى تنمو وتنتشر.. حينها لن نجد لصا تقطع يده. الشريعة تمنحنا الحياة الحقيقية.. وتطهرنا.. وتبقينا أحياء.. وما عداها.. فيرمينا في مستنقع موحل.. حيث تعلق أقدامنا ولا نستطيع الخلاص.. الإسلام لا يرفض الفن.. لكنه يحرم الفن الفاحش.. ويمنع العري والانحلال باسم الحداثة.. والشريعة التي تخاطب قلوبا مفعمة بالإيمان.. غير الشريعة التي تتعاطى مع لائكيين لا إيمان لهم.
^^^
عندما أقول.. أنتم لا تصلحون للشريعة.. فليس أقل من أن تفهموا أن الشريعة لا تخاطبكم أنتم.. فأرواحكم التي لا تتقبل أوامر الله.. وتتمرد عليها.. بحاجة إلى شيء آخر غير الشريعة.. هي أن تعلنوا توبتكم أولا.. وتتخلصوا من كل ما يحجبكم عن نور الإسلام.. وعندما تهتدوا أخيرا.. سيقال لكم: أخيرا أنتم تصلحون للشريعة.