يقدم الدكتور أبو القاسم سعد الله، أو «شيخ المؤرخين الجزائريين»، بحثا وافيا عن واحد من الباحثين المغمورين، الذين أغمط حقهم من الظهور والإشادة وهو الباحث نور الدين عبد القادر (18901981). وتتجلى أهمية كتاب سعد الله «باحث مغمور.. نور الدين عبد القادر أستاذ وكاتبا ومترجما»، والذي صدر عن منشورات المجلس الإسلامي الأعلى، من حيث إنه يسلط الضوء على باحث مغمور لم يحظ بالعناية الكافية رغم إسهاماته الكبيرة، وإنتاجه الغزير والمتنوع. ولم يسبق أن كشف عن جهوده وآثاره، وخدماته، فقد أضحت مساهماته مجهولة تقريبا إلا عند البعض من تلاميذه وزملائه. ومن هنا تأتي أهمية كتاب الدكتور سعد الله؛ فهو أول كتاب يصدر عن الباحث نور الدين عبد القادر. واشتمل الكتاب على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة. وفي المقدمة يتحدث الدكتور عن قصته مع إنجاز هذا البحث عن نور الدين عبد القادر، فيشير إلى أن الفكرة نبعت عندما كان يبحث عن موضوع يشارك به في إحدى دورات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فرغب في تناول شخصية عاشت في العهد الفرنسي، وأسهمت في الحفاظ على اللغة العربية، وترقية التأليف، والتدريس بها. ونظرا لرغبته في عدم تناول موضوع مطروق، وشخصية تحدث حولها الكتاب، وقع اختياره على عبد القادر الحميدي، أو نور الدين عبد القادر كما أصبح معروفا من بعد. ويتحدث الدكتور سعد الله في مقدمته عن الجهود الكبيرة التي بذلها في سبيل العثور على معلومات عنه، والنهوض بهذا البحث، وبعد الجهود الكثيرة التي بذلها الدكتور وذهابه إلى الحي الذي رأى فيه نور الدين عبد القادر سنة 1972، ومحاولته استقصاء معلومات عن حياته مع عائلته وتلاميذه، خلص إلى أن المصدر الحقيقي لحياة نور الدين عبد القادر هي تآليفه ومقالاته، فمن خلال اختياره لمواضيعها، وعناوينها وتنوعها، وأسلوبه في كتابتها يمكن معرفة صاحبها، وإدراك مدى علمه، ومعارفه، وتوجهاته، حيث يذكر أن مقالاته الصحفية وبحوثه في فنون المعرفة المستمدة من كتب التراث، هي مصدر لمعرفة حياة نور الدين. «أما المصدر الأخير فيتمثل في علاقته ببعض المستعربين والمستشرقين الفرنسيين، فقد كان يتعاون مع هؤلاء لترجمة النصوص، ونماذج من الحضارة العربية الإسلامية. ومن أبرز الذي تعاون معهم هنري جائي (جاهيه) الذي ترجم ونشر معه بعض آثار ابن سينا، وقصيدة الصيد، وربما قدم خدمات علمية لهنري بيريز الذي يسميه أستاذنا. وقد ترجم لبعضهم في مقالاته مثل إدمون فانيان المتخصص في المخطوطات العربية». ويتطرق الدكتور سعد الله في الفصل الأول من الكتاب إلى حياة وعائلة نور الدين عبد القادر، وفي تمهيده لهذا الفصل قدم لمحة موجزة عنه، مشيرا إلى أن نور الدين عبد القادر واحد من المثقفين المغمورين الذين خدموا اللغة العربية، والتراث الإسلامي ببلاده الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي، وقد عاش حياته كاتبا ومُدرسا. ويذكر في مبحثه عن أولياته أن عبد القادر بن إبراهيم الحميدي، ولد بمدينة الجزائر سنة 1890، ونشأ في بيئة شعبية محافظة على التقاليد العربية الإسلامية. وبالنسبة لتعلمه للغة العربية، وحفظه للقرآن الكريم فالدكتور سعد الله يرى أن رصيده الديني واللغوي الذي ظهر في تآليفه، وسلوكه «يبرهن على أنه كان قد حفظ على الأقل نصيبا من القرآن، وأنه كان متمرسا على اللغة العربية منذ نعومة أظافره. أما تعلمه للغة الفرنسية وعلومها فالظاهر أنه أخذها في مدرسة فرنسية متخصصة للأهالي، أي الجزائريين، وهي مدرسة تعلمهم مبادئ اللغة الفرنسية التي تؤهلهم للعمل عند الفرنسيين». من جهة أخرى، تطرق الكتاب في باقي الفصول إلى مؤلفات نور الدين عبد القادر، حيث صنفها إلى أربعة أصناف في اللغة العربية، والتاريخ والتراجم، وفي الطب والفلسفة، وفي الأدب والتراث عموما. وأغلب كتبه التي تعرض فيها للغة العربية هي كتب تعليمية موجهة إلى المدرسين، والتلاميذ والطلاب في مختلف المستويات. محمد سيف الإسلام بوفلاقة/ جامعة عنابة