يتوقع الدكتور فوزي أوصديق أن يكون البرلمان المقبل أضعف من سابقه. ولم يبد في حواره مع «البلاد» تفاؤلا كبيرا بالانتخابات التشريعية المقبلة. وتحدث أوصديق عن التعديل الدستوري المقبل، متمنيا الذهاب نحو الجوهر، محذرا من الغرق في التفاصيل التقنية.مثنيا على تكتل الجزائر الخضراء دون أن يمنعه ذلك من الحديث عن صعوبة المهمة، خاصة في شقها المتعلق بدفع ضريبة المشاركة. حاوره: محمد سلطاني كيف تتوقعون تركيبة البرلمان المقبل، وهل ترون أن الإصلاحات التي عرفتها الجزائر كافية لإعادة الشأن السياسي الجزائري إلى نصابه الطبيعي أم أنكم ترون أن الجزائر في حاجة الى إصلاحات إضافية؟ حسب قناعتي البرلمان المقبل «سيكون أضعف من البرلمان السابق»، للعديد من الاعتبارات، أولاً الخطابات الديماغوجية للكل توحي بأن النواب سيتبعون العرف السابق، كما أن كثرة الأحزاب واللافتات، أو بالأحرى البوتيكات، مؤشر على دخولنا «التبزنيس» السياسي من أوسع الأبواب. فالكوكتيل وعدم الانسجام كلها عوامل لتجديد النظام دون أن تتغير الممارسة. ثانياً العديد من الأحزاب خانها التفكير، أصبحت أقل شجاعة في التعبير عن برامجها بالألوان، بدلا أن تخرج إلى الشعب ببرامجها، فالردة في البرامج والأفكار وصلت إلى هذا الحد، فما بالك إذا وصلوا إلى البرلمان والشواهد عديدة على هذه التراجعات. ولكن قناعتي اليوم أن يثبت العكس، إننا في طور إنجاز برلمان ضعيف سواء من حيث الإخراج أو التمثيل، فسيكون «تدويرا ً« للسلطة وليست «تدويلا ً« لها، وهذه قناعتي الشخصية. تضاربت الأحكام حول ضعف البرلمان في الجزائر هل السبب في تقديركم يعود إلى غياب معارضة جادة أم إلى ضعف الطبقة السياسية أم المسؤولية مسؤولية السلطة ذاتها التي أضعفت المؤسسات الحزبية؟ ضعف البرلمان، وضعف الأحزاب حقيقة لا تحتاج إلى دليل، أو اكتشاف، بقدر ماهي عين الحقيقة، حيث أصبحت «أجهزة» وليست «مؤسسات»؛ وألوان وأرقام تملأ فراغات ومساحات، والسلطة كان لها دور حيوي للوصول لهذه المرحلة، والتي قد تعمل على فنائه وتآكله في الداخل مستقبلاً، بحكم أن الردود الشعبية أصبحت قوية لا يمكن احتواؤها في التنظيم الحزبي القائم، والذي هو تنظيم هش، فغياب حياة حزبية جادة وحقيقية، وضعف المؤسسات المعارضة، وعدم وجود نخبة سياسية كلها عوامل لا تبشر بالخير. كيف تقيّمون مستوى أداء الأحزاب وخطابها وبرامجها في الحملة الإنتخابية؟ أداء الأحزاب والخطاب دون المستوى، إن لم أقل ضعيفا، مما يفسر عزوف الأشخاص عن التجمعات بشهادة وسائل الإعلام بعد تقييم الأسبوع الأول والثاني من الحملة. وكأن كل الأحزاب تكرر نفسها باختلاف الزمان والمكان والأشخاص والإخراج. أعتقد أن «معظم» الوعاء الانتخابي له نفس النظرة النمطية، كل الأحزاب أغرقت نفسها في العموميات والوعود والأمنيات، وفاقد الشيء لا يعطيه. هناك تخوف كبير من تكرار سيناريو ضحالة نسبة المشاركة، ما رأيكم في ذلك وما هي أسباب العزوف؟ أتوقع أننا فرضا لو حققنا 30 بالمائة أو تجاوزنا 40 بالمائة فتلك محمدة تحسب للكل، إلا أن المؤشرات رغم «حملات» الإعلام الثقيل والعديد من الأجهزة الرسمية والأحزاب، تدل على عدم تحرك وتحمس الشعب للحملة الانتخابية، ويمكن إرجاع ذلك إلى التجمعات وأنشطتها كمؤشرات موضوعية لما نقوله، والخروج بقياسات. فأين زمن الملاعب والقاعات؟ يبدو أن العهدة البرلمانية السابقة والإثراء بلا سبب والخطابات الرنانة، ولغة الخشب وطريقة إعداد القوائم، وسياسة المغانم والأحزاب المناسباتية والزردات، كلها عوامل ساهمت في العزوف عن الانتخابات، وكلها عوامل غير مساعدة لدفع بالانتخابات إلى الأمام، إلى جانب مؤشرات التزوير الذكية. ما هي قراءتكم للسرعة التي تم بها اعتماد الأحزاب السياسية الجديدة وما تأثير ذلك على الانتخابات؟ ألا ترون أن كثرتها من شأنه تمييع الفعل السياسي؟ اعتماد الأحزاب الجديدة، بعد جموح «طويل» لعملية الاعتماد، لم تكن وليدة الصدفة، بقدر ما كانت وليدة ظروف محيطة ومتغيرات جذرية في الواقع البنيوي والسياسي للدولة والمجتمع أبينا أم كرهنا، فهي ليست هبة أو منحة، كما تعرف في الأنظمة الدستورية، بقدر ما كان «جزءا» من «البنادول» لتهدئة الرأس والابتعاد عن التأثيرات الجانبية لهذا الصداع من الاضطرابات وعدم الاستقرار، فكان شراً بمفهوم السلطة لا بد منه، إلا أن «الاعتماد الفوضوي» بإغراق الحياة الحزبية بأرقام حزبية إضافية، كان له مفعول عكسي على الوعاء الانتخابي فنظر إليها البعض نظرة انتهازية، فالفعل السياسي لم يميع فقط بل التعددية الحزبية طغت على العددية الفعلية لأتباع الأحزاب. كيف تقيّمون تكتل الأحزاب الإسلامية الثلاثة، وما هي قراءتكم لهذا الفعل السياسي؟ أي عمل تكتلي نباركه ونعاضده ونشجعه، ولكن لا يجب أن يكون تكتلا ظرفيا على شاكلة زواج متعة بانتهاء الانتخابات، تنتهي العلاقة الحميمية. كما أن التكتل الثلاثي جاء بحكم أن الكل يريد أن يستقوى بالآخر، والكل يحتاج إلى الآخر مع الانشقاقات والنزيف الداخلي والسياحة السياسية. كما أرى أن التكتل فاشل باستثناء بعض الأفراد، أما الباقي فلا يعمر عين العديد من الجزائريين، وذلك يرجع إلى سياسة رجل في السلطة، ورجل في المعارضة، وذلك حسب قناعتي يجافي مفهوم المشاركة الحقيقية. فالمشاركة بالمفهوم الإسلامي، يعني توطين الأفراد والبرامج مع القول للمحسن أحسنت وللمسيء أسئت، ولو أدى ذلك إلى الاستقالة ويسجل موقف للتاريخ، وذلك لم يحدث لأي حزب من الأحزاب، وعليه فإن التاريخ لا يرحم، ويكون عبئا بقدر ما يكون إرثاً تتداوله الأجيال. فأحزاب التكتل الإسلامي أغلبها مشاركة في السلطة بمستشارين أو سفراء. بعيداً عن الأحكام الدستورية هل يرى الدكتور أوصديق أن بوتفليقة ملزم سياسياً بتعيين حكومة منتخبين بعد التشريعات المقبلة؟ الرئيس غير ملزم لا سياسياً ولا دستورياً بحكومة منتخبين وهذه ليست بدعة جزائرية، والالتزام الوحيد وهو أن يضمن أغلبية برلمانية وعليه يتم تقاسم الوزراء حسب النسبة والتناسب، وذلك المعمول به في الأنظمة البرلمانية، ولا ننسى أننا في الجزائر في ظل نظام رئاسي حيث الرئيس يحكم ويسود، وله صلاحيات واسعة، فتعيين الوزراء وتنحيتهم من صلاحيات رئيس الجمهورية، وإن كانت التعيينات في الجزائر تخضع لاعتبارات أخرى مثل التوازنات والهوية والتحالفات والمصالح أو فقه الممكن، ولكن المتفق عليه أنه لا الدستور ولا القانون ينص على إلزامية التعيين الوزاري من الوعاء البرلماني، وإن حدث ذلك فسيكون ذلك عرفا جديدا. هناك جدل حول النظام السياسي الملائم في الجزائر، برأيكم هل النظام البرلماسي مناسب لمؤسسات الدولة في الجزائر؟ إن النظام الجزائري نظام برلماني مجازاً، لا هو رئاسي ولا هو برلماني، ولكنه كوكتيل من كلا النظامين، مما أدى إلى العديد من الاختلالات التنظيمية والنظامية بين مختلف مؤسسات الدولة، ولذلك حان الوقت لاختيار نظام مناسب رئاسيا كان أو شبه رئاسي أو برلمانيا، المهم إرساء ثقافة حقيقية للدولة، والتي تمر لا محالة باحترام سيادة القانون واستقلالية القضاء، وإرساء ثقافة حقوق الإنسان ممارسة وسلوكاً، وهي كلها عوامل مرافقة لأي نظام سياسي في الجزائر. ومنذ الاستقلال ظلت المؤسسات الدستورية مؤسسات واجهة، ديمقراطية كرنفالية وليست ديمقراطية متجذرة، مصطلحات مصطنعة وليست مستنطقة للواقع وعمق الجزائر». ولذلك فإن كنا نريد حقاً القطيعة فالطريق معروف ومعلوم للجميع، سياسيين وقانونيين ونخبا. ألا ترون أن التشبت بالنظام شبه الرئاسي في الجزائر كفيل بتمييع النظام السياسي خاصة أن الجزائر لم تتمكن من الالتزام بأبجديات هذا النظام ولا النظام الرئاسي الذي حول إلى نظام رئاسوي حسب بعض أساتذة الفقه الدستوري في الجزائر؟ أعيد وأكرر أن القضية ليست بالتزام طبيعة نظام سياسي معين أو آخر بقدر ماهي «تنفيس» النظام، وعدم إرساء نظام واجهة أو تجميلي بقدر ما يجب إعطاء آليات كاملة حرة لإرساء نظام سياسي، دون توجيه أو تبعية.. فالجزائر ليست بحاجة إلى نظام (أ) أو (س) أو (ب) بقدر ما هي بحاجة لأكسجين»الحرية» والديمقراطية، أو إلى منشط حياة سياسية حرة غير مسيرة لا بالريموت ولا بأي وسيلة أخرى. فأبجاديات أي نظام سياسي قد تبدأ بهذه المداخل، ثم نترك للشعب حرية طبيعة النظام السياسي الواجب اختياره. ماهو النظام السياسي الأمثل للجزائر في تقديركم؟ في تقديري، أحسن نظام مرحليا هو النظام البرلماني، ولكن لما نقول النظام البرلماني، يجب تطبيقه بحذافيريه، دون سياسة «ويل للمصلين»، أو تطبيق سياسة أنصاف الحلول، والاختيارات الجزئية، فالنظام البرلماني، وتعدد التوجهات داخل المجتمع، وسياسة لا غالب ولا مغلوب والفعل الديمقراطي هي الأجدر بالاتباع مرحلياً وبدون منازع. ماهي أهم التعديلات الدستورية التي لا مناص من القيام بها مستقبلا ً في نظركم؟ إن التعديلات الدستورية في الجزائر، وما ينوي القيام به مستقبلاً، ليس مؤشراً على إثراء الفقه الدستوري الجزائري بقدر ماهو مؤشر على عدم استقرار المؤسسات الدستورية وعدم إفراز نظام سياسي نابع من الاختيارات العمودية أي الشعبية وليست الأفقية أي السلطة؛ فكل رئيس يريد أن يترك بصماته، ولو على حساب الاختيار الحر للشعب كما أن توكيل وتكليف البرلمان، قد يجافي المنطق السليم لأي تغيير، أو لإحداث قطيعة حقيقية، فلا يمكن إجراء تعديل بدون الاستشارة الصادقة للشعب مروراُ بلجنة تأسيسية. والتعديل لا نريده مجرد تعديل تقني، بل تعديل شامل لا ينتقص من ثوابت الأمة بل يعززها. لا نريد تعديلاً، يضعف إرساء آليات رقابية سياسية وشعبية ودستورية ولكن نريد تعديلا حقيقيا بعيدا عن التعديلات التجميلية، أو تعديلات الواجهة بإشراك الجميع دون إقصاء أو استهتار أو تسويف. فصيغة النظام، وفتح العهد او إغلاقها، قد تكون غير مهمة، فالأهم كيفية ضمان عدم انتهاك حقوق الإنسان دستورياُ، والحفاظ على استقلالية تامة للقضاء، كيفية إرساء نظام تعددي يكفل التداول وليس تدويراً للسلطة، كيفية إرساء مبدأ المحاسبة وفلسفة استمرار الدولة، هذه الأبجديات قد تهون أمام كل المقترحات التي أعتبرها تخريفات، قبل تحديد الأرضية التي يجب أن تفتح عليها التعديلات، فلنبدأ بالأساسيات ثم نأتي إلى مرحلة الكماليات.