فيدرالية الخبازين، عجنت خبزا ساخرا ورمت به إلى مائدة الحكومة، راجية منها أن تتدخل في الحين والحاضر، لإنقاذ المخابز من رغيف الشارع، ومن منطلق أنها خائفة على بطون وعلى صحة الجزائريين من التلوث ومن الغبار المتفشي في الشوارع، دعت إلى إعادة الخبز إلى المخابز وبعبارة فيها من السخرية ما فيها من القفز على وقائع أننا التهمنا المسامير وشفرات الحلاقة ومالذ وخفى من تبغ ممزوج مع العجين في أكثر من واقعة رغيفية، فإن طلب فيدرالية العجن، حق أريد به عجن، فمن يزود المحلات التجارية بالخبز ليست مصانع الإسمنت ولا مجمع ''السيفتال'' لصاحبه ''رباب'' ولكنها مخابز منتشرة تعجن وتوزع على كل من هب ودب أرغفتها، غير مستثنية في ذلك شيخا ولا طفلا، دكانا أو ''لحاما'' والمهم في القضية برمتها أن الخبازين، اكتشفوا أخيرا أن من حقهم الشرعي والقانوني أن يساهموا في ''طوبرة'' الخلق والخلائق لعجن الناس أمام مخابزهم قبل أن يحصل أي كان على رغيف والمبرر والحجة الأقبح من الطابور أن فيدرالية الخبازين اشتكت دكاكين ومحلات هي ممونها، إلى الحكومة حتى تستعيد المخابز جمهورها ونرى الناس ''معجونين'' وماهم بمعجونين، بسبب خوفها على صحة المواطن.. ولنا أن نتصور مخبزة تعجن و''تملح'' رغيفا ثم توزعه على المحلات ثم بعد ذلك تطالب فيدراليتها، الحكومة، بالتدخل من أجل القضاء على الفوضى الرغيفية التي تسوقها، فأي منطق رغيفي ذلك؟ أذكر نادرة سياسية متوارثة من الزمن السبعيني، تتعلق بدوار فقير ومعدوم يقع في ولاية داخلية وتحده من كافة الجهات مقابر القرون الوسطى فلا ماء ولا كهرباء ولا غاز وبعبارة أبسط ''لا استقلال''، الدوار إياه فيه شيخ قرية أمي لكنه كبير عرش لذلك قدّرته سلطات السبعينيات وأعطته ''خاتما'' دائريا فيه السلطة ومركز القرار بالنسبة للدوار، وفي يوم ما من زمن سمع الشيخ أن أمريكا اعتدت على الفيتنام، وأنها تتحرش بكوبا ورغم أنه يظن أن الفيتنام تابعة لولايته كما أن كوبا قبيلة تقع بالمغرب العربي الشقيق، فإن الشيخ أصدر بيانا شديد اللهجة ضد ''الإمبريالية'' وضد أمريكا قال فيه بأن ''دواره'' يعارض التدخل الأجنبي في الفيتنام وفي كوبا ويدعو الأممالمتحدة إلى التحرك لنصرة إخواننا في الدين بفيتنام ضد ''الكفار''، والمهم في القضية أن البيان الشديد اللهجة الذي صدر من ''الدوار'' كان سببا مباشرا في انتفاضة العالم حسب ما علمه شيخ القبيلة وما روج له المحيطين به، حيث استثمر الشيخ بيانه الكبير في ترويض خصومه من المغبونين بعدما طالبوه بتوفير الماء والكهرباء، ليواجههم بسر أمني خطير، أن سبب تخلف القرية وانعدام مرافق الحياة فيها مرده إلى مؤامرة أمريكية إمبريالية تورطت فيها قوى خارجية لمحاصرة ''الدوار'' وذلك في رد على الموقف التاريخي الذي وقفه شباب وشيوخ ومسؤولي القرية بنصرتهم لإخوانهم في الفيتنام والنتيجة أن الحرب انتهت والفيتنام جاءها الماء والغاز و''الكافيار'' أما سكان القرية فلا زالوا محاصرين ويدفعون ثمن موقفهم التاريخي، وحال العجوز لا يختلف كثيرا عن حال قرية ''اتحاد التجار'' التي ذكرتني بالقصة وبالقرية إياها، فاتحاد التجار الذي يعيش أمينه العام مخاضا انقلابيا عسيرا، لم يجد من طريقة للعودة للأضواء سوى امتطاء قضية دولة لا علاقة لها بسوق الخضر والفواكه، ليتموقع في مكان غير مكانه عبر بيان شديد اللهجة يشبه بيان ''عجوز القرية'' ندّد فيه الاتحاد بمؤامرة فرنسا في قضية ''الرهبان'' التي أخرجت رفاتها من القبور، ورغم أنه لا علاقة لاتحاد ''صالح صويلح'' بالأسواق الفرنسية، إلا أن الرجل الحائر أراد أن يصطاد سمكة في بئر غامق، فما دخل اتحاد التجار في قضايا خارجية لا علاقة لها بالسلع المستوردة أو المهربة، وماذا تقول عنا فرنسا حينما تقرأ بأن ''صويلح'' التجار، ترك سوق البطاطا والدجاج ملتهبا وراح يتكلم باسم الدولة في قضية دولة..أليس عار وعاريا أن عجوز ''الدوار'' لا زال يتدخل في شؤون الفيتنام وكوخه بلا سقف.. وأين موقع السلطة والحكومة وزرهوني من تجار أزمات اتحدوا على استثمار أي فرصة ليظهروا بأنهم هم لسان الدولة..إنها المهزلة أن يصبح لنا في كل موقع ''صويلح'' بطال، عجز على حل أزمة ''المخابز'' فقفز باتجاه فرنسا ليحشر أنفه فيما ليس له فيه، وشعاره من شعار زعيم ''الدوار'' الذي برر فقر وعجز قريته بأنه راجع لحصار أمريكي والمهم إنه إذا ما سقط صويلح وتمكن منه رفاقه فإنه يكفيه أن يتمسك بقشة أن ''فرنسا'' تقع خلف الانقلاب لأنه أصدر بيانا ضدها.. مشكلة هذا الوطن أنه ولا أحد في مكانه، فكل عاجز في موطئ قدمه يبحث له عن مساحة أخرى للعب وللاستعراض ولإخفاء فشله وكل مفلس في إدارة بيته يختلق من العدم مواقعا لقدمه في تفادي غبي لفشل قديم من أجل فشل جديد فترى من أطمع فئة المتسلقين في احتلال واجهات ليست لهم، أهو عجز المواطن أم غياب وعقم الحكومة وحتى تشجيعها لزمرة من المفلسين لكي يكونوا هم الوطن وهم رأيه ورغيفه الذي قرروا أخيرا أن يضموه إلى''الطابور'' حتى يعيشوا نكهة وإحساس أنهم جزء من ''عجن'' الخلق والخلائق وعجبا من زمن يكون فيه صويلح وزيرا لخارجية اتحاد التجار فيما تنسى فيدرالية العجانين أن تراقب خبزها قبل العجن لتطالب بحقها في أن ''تخبز'' المواطن على أبواب المعاجن إذا ما فكر يوما في اقتناء رغيف