بعيدا عن السياسة والديبلوماسية، ماذا عن ياسين الشوك المخترع؟ ككلّ فلسطينيّ لاجئ يحمل في طيّات نفسه روح النّضال بالضّرورة ولأنّي فقدت الكثير منذ اضطررت لمغادرة بلادي، فقد بقيت أبحث عن «ميناء» يأويني فالتجأت للاختراع الّذي وجدت فيه ضالّتي وهكذا قرّرت أن تكون لي فكرة استنباط رأي في زمن افتقدت فيه الاستنباطات وشلّت الآراء واغتيلت فيه المبادرات. وكانت بداية اختراعاتي مواكبة لحاجّيّات ذلك الإنسان العربيّ المخذول والمطعون في قدراته والممسوخ في تاريخه وكرامته وكأنّي أردت أن أختزل كل تلك الأحاسيس فعبّرت عنها بأكثر من ثمانين اختراعا سخّرتها لخدمة النّاس، كالواقيات من صدمات السّيارة واستعمال أشعّة اللّيزر في الأغراض الطّبيّة وسدّاد صنعته من ألياف عازلة خاصّة جدّا تحمي محرّكات البنزين أو الغاز من الحرائق. وفي زخم معاناة التّشتّت الّذي لازمني منذ الصّغر ومن خلال بحثي عن الوقت الضّائع، قرّرت في يوم من الأيّام القبض عليه من خلال اكتشاف خاصّ جدّا. لقد كنت مسكونا بالزّمن الهارب لذلك اخترعت ساعة مكّة سنة 1975 وهي ساعة تختلف عن السّاعات التّقليديّة تساعد المصلّين المسلمين أينما كانوا على معرفة اتّجاه القبلة الصّحيح بدقّة متناهيّة كما تنبّه هذه السّاعة المصلّين لأوقات الصّلوات الخمس في كلّ يوم وفي كلّ مكان من الأرض دون أيّ خطأ. وقد تمكّنت من تسجيل اختراعي هذا في سويسرا لدى المنظّمة الدّولية لحماية الملكيّّة الفكريّة بجنيف وكذلك لدى المنظّمة العالميّة لحماية الملكيّة الصّناعيّة بفرنسا. وواصلت بحثي الدّؤوب، وأول ما أنجزته آنذاك تطويري لساعة مكّة وقد جاءتني الفكرة وأنا أطوف بالكعبة الشّريفة، إذ أحسست أننّي في قلب محور الدّنيا وأن الوقت يدور بي عكس اتّجاه السّاعة وأن الزّمن يأخذني إلى مساره الصّحيح ومنذ ذلك الوقت بقيت أستنطق الذّات والكون المحيط والنّاس، علّني أظفر بتفسير لهذا المنعطف الجديد ومن ثمّ جاءت فكرة استنباط ساعة مكّة الّتي تدور عقاربها في اتّجاه الطّواف، ثمّ جاءت فكرة ترسيخ دعائم ذلك الاختراع من خلال اكتشاف أن ّمكّة تمثّل بالفعل محور التّمركز الأرضي في نقطة خطّ الطّول عدد صفر غراد وبذلك يتحقّق الإعجاز القرآني الوارد في الآية الكريمة عدد144 من سورة البقرة في قوله تعالى بعد بسم الله الرّحمن الرّحيم: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ». {مقاطعة} يعني بتأملك في معاني هذه الآية الكريمة وأنت تطوف بالكعبة الشّريفة أحسست أنك في قلب محور الدّنيا، وبالتالي شعرت أنك في اللّحظات الحاسمة لفك طلاسم خط طول مكة.. أليس كذلك؟ صحيح، انطلاقا من هذه اللّحظات الحاسمة شرعت في الاستدلال على ذلك إلى أن توصّلت إلى مبتغاي فاخترت قيس خطّ طول مكّة بالغراد عوضا عن الحساب بالدّرجة كما هو الشّأن بالنّسبة لقياس خطّ طول غرينيتش. وينطلق اختراعي من حقيقة أنّ مكّة تقع في محور دائرة كبرى تتصل أطرافها بالقارات والتي تكوّّّّن الخريطة الطبوغرافية للعالم وتتناسب هذه النّظرية مع ما توصّل إليه العديد من الباحثين القدامى والمعاصرين في ميدان الجيوفيزياء. وقد توخّيت منهجيّة علميّة دقيقة انطلاقا من مراجع ونظريّات عديدة في علوم الجيوفيزياء والجيودزيا والمعادلات الرّياضية في الهندسة وغيرها من العلوم الأخرى. كما عمدت إلى إرساء تلك النّظريات على أسس تطبيقيّة جسّمتها في تصميم المبنى الضخم المزمع إقامته على أرض المملكة العربيّة السّعوديّة وذلك على امتداد وسطيّ مكّة المكرّمة بخطّ طول المرديان شمالا بجنوب مدينة مكّة. وقد جعلته يتناسب مع عظمة المكان وقدسيّته لدى جميع المسلمين ليصبح منارة سلم وأمن وأمان تستقطب كافّة البشر وتجمع النّاس على كلمة التوحيد «لا إله إلاّ الله» وتؤلّف بين قلوبهم وتبعث فيهم السّكينة والطّمأنينة والأمل وتوحّد بين العناصر والفئات والشّعوب وتعرّف بعضهم ببعض من أجل قبول الآخر واحترام عقيدته ولونه وجنسه وتفتح العصر الحقيقيّ لحوار الحضارات والثّقافات والأديان على مصراعيه وتعرّف بإسلام متفتّح مستنير وترغّب في مزيد الاطّلاع على تعاليمه السّمحة وتسهل على غير المسلمين اعتناقه عن رويّة واقتناع بأنّه هوّ الدّين الحقّ والجامع بين كلّ الدّيانات السّماوية الصّحيحة وخاتم الرّسالات. {مقاطعة} وماذا عن ميدان التأليف، ورحلة هذا الكتاب، مع التركيز على مشروعكم «ساعة مكة»؟ في ميدان التأليف، كتبنا بعض الأمور المحتشمة في مجالات اهتماماتنا باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ومن آخر مؤلفاتنا بالعربية، كتابنا هذا الذي بين يديكم، بعنوان «مكةالمكرمة، مركز الأرض وأصل التوقيت العالمي»، وقد حاولت في كتابي هذا الابتعاد عن الاعتباطية أو الصّدفة وعمدت إلى إرساء بحوثي على أحدث ما توصّلت إليه العلوم التّقنيّة الصّحيحة والرّسوم الهندسيّة والنّظريّات الواردة في هذه المجالات في بحوث العلماء القدامى والمعاصرين وكلّها تعزّز ما توصّلت إليه بالدّليل القاطع وتدعّم اكتشافاتي الّتي تعرّضت إليها في فصول هذا الكتاب. طبعا، لا أخفي عليكم، أنه من المفروض في مادة هذا الكتاب أن يكون علميا بالدرجة الأولى، ولكن قصد تيسير فهمه للقارئ الكريم عموما والعربي خصوصا، فقد حاولت جاهدا تطعيمه بما علق بذهني من ثقافتنا العربية والإسلامية، لأن الطرح الإسلامي له أصحابه ومختصوه، وأنا لست مختصا في العلوم الشرعية، فبالتالي بذلت قصارى جهدي لألخص ما يربو عن 1425 صفحة قدمتها للهيئة العالمية لحقوق الملكّّّّية الفكرية بجنيف والتّابعة لهيئة الأمم المتّحدة من أجل اعتماد اختراعي المتعلّق بوسطيّ مكّة أو ما يعرف بخطّ طولها أي «مرديان مكّة» وساعتها وبالرّغم من صبغته العلميّة الصّرفة وموافقة هذه المؤسّسة على مشروعي ولأنّني من أصل فلسطينيّ، الأرض المغصوبة ذات السيادة المسلوبة، فقد جاب كتابي هذا قبل طبعه بالعديد من البلدان وتعثّر في الكثير منها وتمّ حجزه في البعض الآخر وحقّق في محتواه داخل مطارات وموانئ وحدود عربيّة وأجنبيّة كثيرة وخرج في كلّ مرّة سالما، ولكن ليس غانما ماديا ..{يضحك}. فلله الحمد من قبل ومن بعد، فهو قاهر الجبارين وناصر المستضعفين، سبحانه وتعالى عما يشركون.. كيف بدأتم التفكير في اختراع «ساعة مكة»، وكم استغرق البحث والتدقيق للتوصل إلى تحديد القبلة؟ بدأت رحلة «ساعة مكة «من لحظة تعلقي بمدينة مكة، رغم البعد الجسدي عنها، عندما زادت قناعاتي بتميز هذه المدينة، فتعمقت دراساتي عن مكةالمكرمة وتمنيت أن يشعر كل مسلم بما أشعر به عن عظم هذه المدينة التي جعلتني أطيل البحث في طريقة تجعل التوجه بالصلاة إلى مكةالمكرمة سهلاً لكل مسلم، والشيء الذي دفعني أكثر إلى هذا البحث هو وجودي في سويسرا، وقلة المساجد بل انعدامها أحياناً في العديد من المدن، ولما كان أول أعمال المسلم الصلاة وأول أساسياتها التوجه إلى القبلة وتعذر تحديد اتجاه القبلة الصحيح لأسباب كثيرة تكونت فكرة اختراع ساعة تقرب بين المسلمين وقبلتهم وتجعلها سهلة التحديد في أي مكان على سطح الكرة الأرضية امتثالاً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية: 149 « وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون.» والآية: 150 «وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.» قوله تعالى: «وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» قيل: هذا تأكيد للأمر باستقبال الكعبة واهتمام بها، لأن موقع التحويل كان صعبا في نفوسهم جدا، فأكد الأمر ليرى الناس الاهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه. وقيل: أراد بالأول: ول وجهك شطر الكعبة، أي عاينها إذا صليت تلقاءها. ثم قال: «وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ» معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» ثم قال «ومن حيث خرجت» يعني وجوب الاستقبال في الأسفار، فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض.. هذا ما جاء في التفاسير. أما المدة التي استغرقته «ساعة مكة» فهي خلاصة فكر لأزيد من 37 عاماً قضيتها بين بحث وتجربة وكفاح مرير مادي ومعنوي للوصول إلى ما توصلت إليه، فهي ساعة تشبه مكة في كل شيء في قبلتها، ودوران عقاربها الذي يتشابه مع حركة الحجيج في الكعبة. ولما كان الطواف نظاماً حركياً يقوم به الإنسان، والإنسان والكون في انسجام، فلا بد من أن تكون حركات الإنسان مطابقة لحركات الكون في نظامه الحركي أي من اليسار إلى اليمين، فالمسلم حين يطوف حول الكعبة من اليسار إلى اليمين إنما هو منسجم في طوافه مع طواف كل شيء في هذا الكون الفسيح ومركز نواته، ولما كانت الكعبة هي مركز الأرض وبؤرتها كما أثبتها العلم والدراسات المختلفة، وهي مركز الجذب المغناطيسي التي تتلاقى فيه الإشعاعات الكونية، وهي خط التوقيت الأصح في العالم، وهي مركز الجذب الروحي للمسلم أينما كان على وجه الأرض، ولما كان الطواف عبادة فرضت في البيت الحرام ونظامه الحركي يسير من اليسار إلى اليمين أي متفق مع نواميس الكون الحركية، كان الأولى أن ينسجم شكل التوقيت، أي دوران عقارب الساعة، وهو أمر حركي مع قانون الحركة الكونية وأن تكون حركة دورانه من اليسار إلى اليمين عكس ما هو شائع في طريقة سير عقارب الساعات الآن (من اليمين إلى اليسار) لأنه أمر يناقض الفطرة والنواميس الكونية والتقديرات الإلهية التي خلق عليها الكون والإنسان. لكن كم استغرق العمل الفعلي حتى خرجت الساعة بشكلها الحالي؟ استغرق العمل أربع سنوات متواصلة حطمت خلالها عشرات الساعات بين تجريب وتعديل، وفي نهاية عام 1975 تحقق الحلم باختراع «ساعة مكة» لتحديد اتجاه القبلة، ونجحت بجعل قبلة المسلم ساعة في يده يحملها في كل مكان يكون، حيثما حل وارتحل… ولكن هناك من يقول إن اختيار دوران عقارب الساعة بهذا الشكل ديكور شكلي جمالي فقط، ولا إبداع فيه، بل حتى تجاريا هل يمكننا القول إنها ناجحة ومقبولة في الأسواق الساعاتية العالمية؟ لم يكن اختيار دوران عقارب الساعة بهذا الشكل لديكور لا شكلي ولا جمالي كما تفضلت، بل كان انسجاماً مع الفطرة الإلهية في تنظيم الكون ودورانه بأدق تفاصيله إلى أعظمها، وتصحيحاً للوضع الخاطئ لدوران عقارب الساعة من اليمين إلى اليسار الذي لا ينسجم مع الفطرة والطبيعة، والذي يسبب الكثير من المشاق والصعوبات نتيجة لهذا الوضع الشاذ كوضع بريطانيا وأستراليا اللتين تسير أنظمة السير فيهما من اليمين إلى اليسار، وما ينجم عن هذا النظام من مشاكل حاولت هذه الدول حلها لكن من دون فائدة، وأؤكد أن إيماني العميق بأهمية موقع مكةالمكرمة جعلني أتخذ «خط مكة» توقيتاً عالمياً يحتذى به في كل أرجاء العالم، ودوران عقارب الساعة من اليسار إلى اليمين كشكل الطواف حول الكعبة.. أما تجاريا، فأنا لست مليونيرا كما تعلم (ضاحكا)، لكن في البداية لم يبع منها إلا بضعة آلاف الساعات في جميع أنحاء العالم، وما أن قررت التوجه إلى دولة قطر وأن أعيد إحياء «ساعة مكة» لأحقق ما كنت أحلم به، ولترى ساعة مكة النور، بل بداية انطلاق الساعة الأولى للمسلمين، فأنا لا أسعى لأن يعترف العالم الغربي باختراعي، ولا أنتظر تصديقهم عليه، بقدر ما يهمني أن تكون للعالم الإسلامي ساعة عربية إسلامية، تتخذ من مكةالمكرمة توقيتاً لها يوحد كل المسلمين بتوقيت واحد، تكون فيه قبلتهم موقتاً لصلاتهم.. ونحن في رمضان أيعجبك أن نصوم متفرقين نفطر متفرقين ولنا قبلة واحدة.. لعلمكم أيضا، فقد حاز اختراعنا «ساعة مكة» على الميدالية الذهبية خلال المعرض الدولي للاختراعات بالشرق الأوسط في دورته الرابعة لعام 2011 بعاصمة الكويت، وقد سلمت لنا الجائزة من طرف الشيخ سلمان الحمود الصباح بحضور كوكبة من رجال العلم يتقدمهم رئيس النادي العلمي الكويتي الدكتور الخرافي. وقبل ذلك، يكفينا فخرا أن تحصل اختراعنا هذا المتعلق بساعة مكة شهادة خاصة من لدن أكبر مؤسسة إسلامية في العالم «جامعة الأزهر الشريف». كما زكاه العديد من الشخصيات الإسلامية العالمية مثل الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور زغلول النجار والدكتور يحيى وزيري والمحامي الدكتور منتصر الزيات الذين التزموا بالانتصار للمشروع ومباركته وإيلائه ما يستحقه من تدعيم وتشجيع. حاوره محمد م. ح في جنيف/ سويسرا