ثمن رئيس منتدى الوسطية أبو جرة السلطاني، تزامن الإعلان على تشكيلة الحكومة الجديدة وإطلاق سراح العديد من سجناء الرأي، معتبرا ذلك عربون ثقة للرأي العام ليساهم في إنجاح مسعى الحوار وتمهيد الطريق للحكومة الجديدة، لكي تنال ثقة الشعب في النزول للميدان بعد أن كانت محاصرة في السابق، ما سيمكنها من الدخول في طور جديد” ويرى سلطاني في حوار مع “الجزائر الجديدة” أن “الطاقم الحكومي قد ورث تركة ثقيلة في كل القطاعات سيجعل الرهان صعبا على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني. فالحراك مازال مصرا على الاستمرار حتى يرى مطالبه تتجسد، والوضع المالي متدهور، والجبهة الاجتماعية متوترة، والوضع الأمني بحاجة إلى هبة وطنية واسعة تجعل أمن الوطن أولى الأولويات”. تشكيلة الحكومة الجديدة تضم 39 حقيبة وزارية، ما رأيك في ذلك ؟ هي حكومة فسيفسائية متعددة الحقائب ستسهر على تطبيق برنامج رئيس الجمهورية، نتمنى لها النجاح في مهامها الثقيلة في ظرف حساس كثرت فيه المطالب. حبذا لو كانت حكومة بحقائب ثقيلة لا مكان فيها لوزراء منتدبين ولا لكتاب دولة، فهناك حقائب كان يمكن تجميعها ليسهل العمل الميداني، أما تفتيتها إلى أربعين عضوا فيجعل الصلاحيات تتداخل وتتأخر الحلول المستعجلة داخل القطاع الواحد، لاسيما أن العمر الافتراضي لهذه الحكومة لن يتجاوز سنة واحدة، بأربع مهام كبرى، وهي فتح ورشات الحوار الموعود به ومواصلة المحاكمات، ومكافحة الفساد، استرجاع الأموال المنهوبة في الداخل والخارج، تعديل الدستور للخروج من الأزمة السياسية، وفق ما وعد به السيد رئيس الجمهورية شعبه، وتعديل قانون الانتخابات والقوانين ذات الصلة بالحياة السياسية والإصلاحات العميقة، إجراء الانتخابات البرلمانية المسبقة والمحلية وفقا للدستور الجديد، للانتقال إلى جزائر جديدة بخريطة يفرزها الصدوق الشفاف، إضافة إلى حل المشكلات المتراكمة وتوفير المطالب المستعجلة التي ينتظرها الشعب، في ظل التحولات المتسارعة، مع الحفاظ على الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية وسلامة الإقليم. كيف تقرأ تزامن الإعلان عن تشكيلة الحكومة مع إطلاق سراح عدد كبير من معتقلي الرأي؟ اعتقد أنها مسألة مدروسة للتهدئة ونزع فتائل التوتر وتقديم عربون ثقة للرأي العام ليساهم في إنجاح مسعى الحوار الذي دعا إليه السيد رئيس الجمهورية. فتزاحم الأحداث يفرض الإسراع باتخاذ إجراءات استعجالية تمهد الطريق للحكومة الجديدة كي تنال ثقة الشعب في النزول للميدان بعد أن كانت محاصرة، وتدخل طورا جديدا لعهد ما بعد سقوط الأقنعة عن كثير من الوجوه، خاصة أن هذا الطاقم الحكومي قد ورث تركة ثقيلة في كل القطاعات سيجعل الرهان صعبا على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، فالحراك مازال مصرا على الاستمرار حتى يرى مطالبه تتجسد، والوضع المالي متدهور والجبهة الاجتماعية متوترة والوضع الأمني بحاجة إلى هبة وطنية واسعة تجعل أمن الوطن أولى الأولويات. هل تعتقد أن إطلاق سجناء الرأي ومن بينهم المجاهد لخضر بورقعة، سيكون له أثر على الحوار الذي وعد به رئيس الجمهورية؟ كل مسعى يصب في اتجاه التهدئة ويزيد في رصيد الثقة، سيساعد على حلحلة الوضع ويفسح الطريق أمام الراغبين في الحوار الحقيقي الذي لا يقصي أحدا. فليس من الحكمة الزج بأصحاب الرأي في السجون إلا إذا تحولت آراءهم إلى تحريض صريح يهدد استقرار الوطن وأمنه، أما الرأي الحر فيقابله رأي آخر، وتصادم الأفكار يولد فكرا جديدا، والنظام الذي يخشى على نفسه من الفكر المتنوع تقتله الفكرة الواحدة والرأي الواحد. فإطلاق سجناء الرأي بداية التحرر من الاستبداد، وهي خطوة مباركة في الاتجاه الصحيح. بالنسبة لإطلاق سراح المجاهد لخضر بورقعة، كنا من الذين نادوا بإطلاق سراحه في أول يوم من اعتقاله بالنظر إلى سنه وتاريخه ومكانته في المجتمع، وإلى سلميته أيضا، فهو معروف بآرائه واتجاهه منذ فجر الاستقلال، ولم يغير مساره، لذلك حظي بتقدير جهات كثيرة، وإطلاق سراحه سيساهم في تشجيع كثير من الأطراف على الانخراط في مسار الحوار، ونحن نشجع كل مسعى يعين على التوافق الوطني ويدفع باتجاه دولة الحق والقانون. وعموما خلال عشرين عاما أحدث النظام السابق تصحرا في الساحة السياسية، وفراغا مجتمعيا حوله وأحاط نفسه بنهازي الفرص، وضيق على الحريات فمنع المسيرات في العاصمة منذ سنة 2001، وبالغ في الغلق والإقصاء، فلما تحرك الشارع رافضا للتمديد والتأجيل وللعهدة الخامسة، لم يجد النظام من يحاوره ولا من يؤطره، ولا من يحميه من غضبة الحراك، لا في الموالاة ولا في المعارصة. فالأحزاب فقدت سلطتها على مناضليها، و فقدت قدرتها على التعبئة، والرأي العام لم يعد يثق في أية جهة، فلما تلاحمت قوى الحراك نجحت في إسقاط نظام هش مله الناي، ولكن الحراك لم يقدم بديلا، فنشأ عن سقوط رموز النظام فراغ كبير ضمنت المؤسسة العسكرية سده عن طريق دعوة قائد الأركان( رحمه الله) إلى التمسك بروح الدستور ومرافقة الحراك والنأي بالنفس عن الخوض في السياسة. حتى وجد من يشغل الفراغ، وقدم نفسه للراي العام بأنه هو البديل الجاهز. ولأن الحراك رفض ان يكون له رأس، برغم ضخامة كتلته، فقد ساعد على إيجاد رئيس للجزائر، بعد تأجيل الإنتخابات مرتين. هل ترى أن الحراك حقق جميع أهدافه؟ ما تحقق حتى الآن شيء كبير وعظيم ، ورئيس الجمهورية وعد باستكمال ما بقي من وعود. ومادام الحراك سلميا فاستمراره سلميا يعين الحكومة على تعقب ما بقي من أفراد العصابة، وعلى استرجاع الأموال المنهوبة، وعلى فرز الساحة الوطنية من الطفيليات التي عمرت طويلا في الحكم وشكلت خارطة سياسية مزيفة عن طريق المحاصصة (سياسة الكوطا) وقد حان الوقت لغربلة الواقع برمته وإعادة هيكلة الساحة الساسية على أسس جديدة تعيد للأحزاب والنقابات والحركة الجمعوية أدوارها الحقيقية في بناء الدولة الحديثة بالكفاءات وليس بالمكافآت. في نظرك هل كل مطالب الحراك شرعية؟ نحن ننظر إلى عموم ما يتم عليه الاتفاق بين أوسع مكونات الحراك، وما يترجح كمجموع عام يتراكم بعضه على بعض، فذلك هو المطلب المشروع الذي بدأ برفض التأجيل والتمديد والخامسة، وقد تحققت هذه المطالب المشروع، وطالب برحيل الوجوه التي كانت سببا في مأساة الشعب. وطالب بمحاكمة ما صار يعرف بالعصابة. فهذه كلها مطالب مشروعة. أما الهتافات المتطرفة، والشعارات الخارجة عن موضوع تغيير الفساد وعن الأهداف المرسومة التي يخرج بها الحراك كل يوم جمعة، فالحراك نفسه يرفضها ويندد بها ويعتبر المروجين لها دخلاء عليه يعملون على اختراقه والدفع به إلى العنف والخروج عن السلمية التي ألزم بها نفسه. هل سينجح في اختيار ممثلين له في الحوار؟ مادام قد نجح حتى الآن في بناء نموذج سلوكي حضاري سلمي، ونجح في تحقيق معظم ما خرج من أجله، فسوف يبتدع طرقا جديدة للحوار بالأصالة أو بالنيابة، وفي تقديري أنه بعد انتخاب رئيس للجمهورية والإعلان عن حكومة إصلاحات شاملة، يجب أن يتغير الخطاب ونسعى جميعا للتعاون على الشروع في مرحلة التأسيس لانتقال ديموقراطي واسع وعميق، يجسد تطلعات الشعب، ويطوي صفحة التجاذب، ويبني الدولة النوفمبرية التي كانت حلم الشهداء المؤجل لأزيد من نصف قرن. البعض يتهم الحراك بأنه مصبوغ بالإيديولوجيا والجهوية ومخترق من الخارج، ما رأيك؟ قاعدة الحراك واسعة جدا، لذلك قد توجد عناصر قليلة مندسة فيه، لها اجندة خاصة وتعمل لصالح جهات غير وطنية، ولكن عددها يظل قليلا مهما رفعت صوتها في وسائل التواصل الإجتماعي، بدليل أن الحراك حافظ على سلميته وأصالته وزخمه وشعاراته المميزة، ورفض كل تدخل خارجي، ولم يفوض أحدا للتحدث باسمه. والذين حاولوا ركوب الموجة طردهم وعراهم وتبرأ منهم، والذين تحدثوا باسمه من الخارج نبذهم. وهو يصفي نفسه شهرا بعد شهر، وفيه عقلاء كثيرون يمنعون المتهورين من التطرف والذهاب بعيدا. وفي تقديري أنه بعد عشرة أشهر قد بلغ مستوى عاليا من النضج سوف يقوده إلى أفضل المخارج. ما قراءتك لقبول بعض الأحزاب دعوة الحوار وهي ما تزال في الحراك؟ لا أحد يرفض مبدأ الحوار، وليس من السياسة في شيء رفض اليد الممدودة من جهة شرعية تعرض ورقة طريق واضحة، والأحزاب التي أبدت استعدادها للحوار بررت ذلك بكون الموانع السابقة زالت برحيل “الباءات” وتآكل أطراف النظام، والشروع في محاصرة الفساد ومحاكمة رموزه. خاصة أن الحوار سيدور حول كيفية الانتقال بالجزائر من الماضي إلى المستقبل، فلا مبرر لمقاطعته تحت أي ذريعة.. بعد الرئاسيات ما هو دور الطلبة والمؤسسة العسكرية والقضاء والإعلام؟ بعد انتخابات 12 ديسمبر صار للدولة رأس، وناطقون رسميون باسم مؤسسة الرئاسة والجهاز التنفيذي، وعلى كل طرف أن يرابط على الثغر الذي يحرسه لحماية الوطن مما يتهدده في الجوار. وهنا يبدو دور الجيش محوريا في حماية الوطن وضمان أمنه واستقراره، ودور الشعب مهم في دعم جيشه معنويا. وقد أثبت تلاحمه مع شعبه ومرافقته لمسار الحراك، ونال إعجاب العالم بنأيه عن الخوض في السياسة، وهذا ما يدعو الطلبة والقضاء والإعلام والحركة الجمعوية وسائر مكونات المجتمع إلى التعاون جميعا من أجل استكمال مسار إعادة بناء الدولة الحديثة، من منطلقات دستورية تضع كل طرف أمام مسؤولياته التاريخية، فالظرف لم يعد يسمح بالخطأ، والصراع الداخلي لن يجدي أحدا، والفرصة متاحة أمام الجميع لتغيير الواقع نحو الأحسن بمساهمة إيجابية وبالتعاون على تجسيد حلم الشهداء في إقامة جمهورية ديموقراطية إجتماعية ذات سيادة في إطار المبادئ الإسلامية،كما نص عليه بيان أول نوفمبر. فإما أن يتكيف الحراكيون مع المستجدات، فيتواصل ممثلوهم مع السلطة ويتحاوروا ويقترحوا “ورقة عمل” ويدافعوا عنها ليكون لهم صوت في خريطة الطريق المستقبلية، وهذا هو الخيار الواقعي الذي يجعل جني الثمار بعد غرسها حقا طبيعيا للغارس والحارس، والحراك أولى بجني ثمار زرعه من اي جهة اخرى، بعد مرور عام تقريبا على بدايته في 22 فبراير من العام الماضي. وإما الاستمرار في الضغط بقوة الكتلة من غير تمثيل ولا حوار، فتتعطل الصناعة والتجارة والسياحة، وتسوء الخدمات، ويصل البلد إلى حالة من الكساد والعطالة وشح الموارد وضيق العيش. وعندها سيشعر الناس بالخوف على معيشتهم وعلى أنفسهم ووطنهم وعلى مستقبل أبنائهم، فيعودون تباعا إلى أعمالهم ويومياتهم وشؤون معيشتهم، فتتضاءل كتلة الضغط بطول المدة، ويتفرق الناس، بانتظار أزمة جديدة تعيد للتاريخ دورة أخرى للتجمع والثورة على الواقع. هل تقصد أن طول المدة ليست في صالح الحراك؟ مرحلة هدم النظام السابق توشك على نهايتها، وتصفية العصابة مستمرة في إطار شرعية جديدة بحاجة إلى إسناد، وإذا طال الزمن فالثورة المضادة يمكن ان تجد مبررات قيامها في أي لحظة تشعر فيها أن يد الدولة بدأت ترتخي، إذا لم تجد سندا قويا من شعبها، ولذلك فالحوار هو الطريق الأسلم لاستكمال بناء الجمهورية الجديدة.