و أنتم تطالعون الصحف الوطنية بصفة يومية ، ستلاحظون حتما أن محلياتها لا تخلو من مقال يناشد فيه سكان بعض المناطق السلطات المعنية بوضعياتهم ليطالبوها بضرورة إنشاء ممرات علوية ، إنهم يرون فيها أكثر من ضرورة ملحة ، في الوقت الذي يتخلى عن قيمة الممر العلوي بعض المغامرين بأنفسهم ممن يفتقدون للثقافة المرورية ، وحجتهم في ذلك أن الوقت يداهمهم ، وما السير على الممرات العلوية إلا فعل يعطل من مصالحهم الشخصية فتجدهم يجرون وراء الزمن ، متناسين المقولة التي تدعو إلى ضرورة الالتزام بالقوانين المرورية من أجل السلامة الجسدية ، و التي تقول " ساعة روطار و لا يوم في السبيطار " ، فتجدهم يتسارعون و كلهم مجازفة بأنفسهم ،و بالخصوص في فترة الصبيحة عند الالتحاق بمناصب العمل و كذا في الفترة المسائية ، رغبة منهم في الظفر بكرسي في الحافلة و العودة إلى بيوتهم . الممرات العلوية أضحت سفلية و نحن نعبر بشكل يومي الممر العلوي الرابط بين ساحة أول ماي بشارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة ، لاحظنا امتناع الكثيرين عن اجتيازه ، خاصة و أنه تحوّل في الآونة الأخيرة إلى شبه سوق مصغر تتراص فيه طاولات الباعة إلى الآخر ، و في المقابل تجدهم يمرون تحته ، غير آبهين بأمر قطعهم للطريق السريع والخطورة التي تهدد حياتهم بالموت ، و في هذا شهدنا موقفا لشابين في مقتبل العمر اختارا قطع الطريق التي نتحدث عنها من تحت الممر ، الأمر الذي دفع بصاحب إحدى المركبات إلى التوقف من أجل مرورهما خشية الوقوع فيما لا يحمد عقباه ، لكن أحد رجال الشرطة قال له بالحرف الواحد " متحبسش معلابلكش بيهم.. كاين الإسعاف و كاين الحماية و كاين سبيطار مصطفى ، هاذو كامل راهم غير قدامنا ، متقلقش روحك ..." المستمع لكلام الشرطي قد يعتقد أنه إنسان لا يأبى إلا الشر لغيره ، لكن المتمعن في كلامه سيجده بالفعل على صواب ، و الأجدر على هذان الشابان أن يخشيا على سلامتهما قبل أن ينتظرا خشية الغير عليها . الخط الإستعجالي لم يعد حكرا على سيارات الأولوية ليست الممرات العلوية وحدها من تدخل حيز الثقافة المرورية الغائبة ، بل إن الكثير من السائقين لا يعيرون أهمية للخط الأصفر أو ما يعرف بالخط الإستعجالي الذي يوضع خصيصا في الطرقات السريعة ليمنح الأولوية لسيارات الإسعاف ، أو سيارات الحق " الشرطة ، الدرك ، الحماية المدنية " ، لكن على ما يبدو أضحى الخط الأصفر في خدمة جميع المارة من دون تمييز ، يخترقه أصحابها من دون وضع في اعتبارهم أنهم بهذا الفعل سيعطلون المركبات التي يمنحها الخط الإستعجالي الحق عن مهامها ، هذا الأمر يذكرنا بحادثة مأساوية راحت ضحيتها عائلة بأكملها في العاصمة متكونة من رجل و زوجته و طفلتهما الصغيرة ، تعرض ثلاثتهم إلى اختناق بالغاز و بعد اكتشاف تواجدهم في حالة غيبوبة ، تمّ الاتصال بمصالح الحماية المدنية التي تعذر عليها التواجد في الوقت المناسب بعين المكان بسبب الزحمة المرورية ما أدى إلى وفاة الثلاثة ، و لو أن سيارة الحماية المدنية وجدت الطريق المخصص لها خاليا من السيارات ، لما وقع ما وقع ، ورغم أن القضاء و القدر لعبا دورهما في الحادثة ، إلا أن للواقعة أسباب وقفت من ورائها . إلى جانب كل هذا فلا نعتقد بالتمام أنك لم تشاهد أو تلاحظ ثقافة مرورية أخرى من نوع خاص ، تعلقت بعزوف بعض الراجلين عن المشي في الرصيف الذي وضع خصيصا من أجل سلامتهم ، وفي المقابل تجدهم يتدرجون في المشي على حافة الطريق المخصصة لسير السيارات التي يملك أصحابها البطاقة الرمادية لينافسوها في اقتسام الطريق شر منافسة . إرهاب الطرقات حصد 100 قتيل في أسبوعين و ما لا يمكن إنكاره أيضا بشأن لائحات و إشارات المرور ، أن الكثير من السائقين لا يعطونها حقها من الأهمية ، حتى أنها صارت مجرّد لافتات حديدية منصبة على حافة الطرقات تناشد النظر إليها و العمل بها ، و لعل ما يزيد من حصد إرهاب الطرقات للمزيد من الأرواح تلك السرعة الجنونية التي يعمد إليها الكثير من الطائشين بالخصوص في مواكب الأعراس ، و غالبا ما يجعلون الأفراح تتحول إلى أقراح . كل هذه الأسباب و غيرها جعلت إرهاب الطرقات في الجزائر يتواصل من خلال حصده لعشرات الضحايا يوميا، و كشفت بعض الإحصائيات ارتفاعا يوما بعد يوم في عدد الحوادث و بالخصوص في شهر رمضان الذي لم يمر بردا وسلاما على جميع الأسر الجزائرية ، حيث كشفت مختلف التقارير الصادرة عن مصالح الأمن والدرك والحماية المدنية عن بلوغ الحصيلة حوالي 100 قتيل في الأسبوعين الأولين لشهر رمضان مع تسجيل 68 قتيلا في الأسبوع الأول وهو ما جعل الجميع يدق ناقوس الخطر. وقد سجلت الجزائر في العشر سنوات الأخيرة 364 ألف حادث مرور، خلف 518 ألف جريح و35 ألف قتيل مثلما أشار إليه موقع الإنترنت للمديرية العامة للأمن الوطني ، هذه الإحصائيات صنفت بلادنا في الصفوف الأولى عالميا ، لتؤكد مدى فشل كل المخططات المسطرة للتقليل من هذه الحوادث التي باتت تسمى بإرهاب الطرقات. 93 بالمائة من الحوادث سببها العامل البشري كشفت الإحصائيات المنجزة أن العامل البشري يتسبب في 93 بالمائة من حوادث المرور ، حيث أن الإفراط في السرعة والتجاوزات الخطيرة وراء معظم الحوادث ، والمتجوّل في طرقنا سواء داخل المدن أو الطرق السريعة يلاحظ السرعة الجنونية التي يقود بها الجزائريون ، وحتى وضعية السيارات بعد ارتكاب الحوادث يستغرب أفراد الحماية المدنية كيف يخرجون الضحايا بالنظر للأضرار الجسيمة التي تلحق بالسيارات والمركبات . ويلجا أفراد الحماية المدنية في الكثير من المرات إلى القاطعات الآلية لإخراج الضحايا في مظاهر لا نشاهدها حتى في الأفلام السينمائية ، وهو ما يجعلنا نرجع سبب ذلك إلى الحالة النفسية للجزائريين المتسمة بالاندفاع والميل للعنف. وتبقى العوامل المرتبطة بالمحيط تتسبب في 2,7 بالمائة بينما تعتبر العوامل المرتبطة بالمركبات سببا في وقوع 3,6 بالمائة. في الأخير لا يسعنا إلا أن ندعو قرائنا إلى العمل بالقوانين المرورية من أجل سلامة النفس و الغير ، و غرس كل هذا في نفوس الأجيال الصاعدة ، لأن ما نتحدث عنه يعد ثقافة مرورية في حدّ ذاتها افتقدها الكثيرون و غابت عن قواميسهم ، فكان الثمن تفاقم ما يعرف بإرهاب الطرقات الذي يحصد الكثير من الأرواح .