إن محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصل عظيم من أصول الدين، فلا إيمان لمن لم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. فالله تعالى يقول: ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين ﴾ يقول القاضي عياض في بيانه لهذه الآية: "فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها - صلى الله عليه وسلم -، إذ قرّع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وتوعدهم بقوله تعالى: ﴿ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ ﴾، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله"
بل هذا الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – يقف موقف المحب الصادق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عبد الله بن هشام - رضي الله عنه -: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من كل شيء حتى من نفسي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الآن يا عمر)
قال ابن حجر: أي الآن عرف فنطقت بما يجب. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار
ومع وضوح هذا الأمر لعامة المسلمين وخاصتهم إلا أننا نرى بعض الطوائف المنتسبة إلى الإسلام غلت في الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما يخرجه عن حد البشرية، وإذا كان الغلو مذموماً، فإن هذا لا يعني أن يتصف العبد بنقيض ذلك حتى يصل إلى الجفاء، ولا يتأدب بما أوجبه الله على عباده تجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل المؤمن الحق هو الذي يتصف بالوسطية والعدل في شؤونه كلها ومن ذلك عبادة الله وتعظيم الأنبياء وإعطائهم حقهم من التعظيم دون غلو أو جفاء.
حيث انحرف بعض الناس عن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحدثوا في دين الله عز وجل ما ليس منه، وغيروا وبدلوا، وغلوا وجفوا في محبتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - غلواً وجفاءً أخرجهم عن جادة الصراط المستقيم، الذي قال الله عز وجل فيه: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾