عادت أزمة حزب جبهة التحرير الوطني إلى نقطة الصفر بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من الحل قبل أقل من ثلاثة أيام. وكانت الأمور تتجه نحو إمكانية حصول توافق بين أنصار بلخادم وخصومهم في اللجنة المركزية، باختيار نائب رئيس مجلس الأمة، عبد الرزاق بوحارة، أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني، غير أن الوفاة المفاجئة للرجل، أخلطت الحسابات وبعثرت الأوراق، التي كانت تدار خلف الستار. وأصبح البحث عن خليفة عبد العزيز بلخادم يلقى قبول جميع الأجنحة المتصارعة في الحزب العتيد، بعد رحيل بوحارة، على قدر كبير من الصعوبة، لقلة الشخصيات التي تتوفر على السمات التي كان يتمتع بها الراحل بوحارة، والتي اعتبرت ضمانات بالنسبة لجميع الفرقاء، في حين وجد الطرف الآخر، ممثلا في جناح بلخادم، فرصة مناسبة للملمة جراجه، وتجميع قواه من أجل النزول إلى الميدان، مستغلا المعطيات الجديدة، التي لم يكن يحلم بها أنصار الأمين العام السابق. ولحد الساعة، لم تهتد الأطراف الباحثة عن شخص يلقى الاجماع بين الفرقاء، إلى اسم معين يمكن الدفع به للمعترك، لأن ما تبقى من الشخصيات المعروفة بتاريخها ومواقفها من أمثال الراحل بوحارة، إما أنها انخرطت في جناح ضد آخر، ومن ثم فهي لا تلقى القبول عند الجميع، إما أنها ليست بالشخصية المحورية والكارزماتية التي تملأ الفراغ الذي يعشش على رأس الحزب العتيد. ومعلوم أن عبد الرزاق بوحارة لم يسبق له أن انحاز غلى طرف ضد أخر خلال الأزمة التي عانى منها الحزب العتيد، ليس فقط منذ عامين عند ظهور الحركة التقويمية للحزب العتيد، وإنما حتى في الأزمة التي ضربت الأفلان العام في 2003، بعد المؤتمر التاسع، الذي انتهى إلى الالغاء بقرار من العدالة، كما يعلم الجميع، كما أنه فضل خيار لبس قبعة "العقلاء" الذين لعبوا دور الطريق الثالث بين بلخادم وخصومه، وإن كان الجميع يعلم أن بوحارة كان قريبا من خصوم بلخادم، رفقة رفقائه في اللجنة، في صورة رئيس كتلة الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، محمد بوخالفة، ورفيقه في المجلس ذاته، كل من أحمد السبع وعفان قزان جيلالي، وبدرجة أقل، صاحب المؤامرات العلمية، عبد القادر حجار، الذي يشغل منصف سفير الجزائر في تونس. وتتخوف الأوساط الأفلانية من أن يؤدي غياب التوافق حول خليفة عبد العزيز بلخادم في منصب الأمين العام، إلى استمرار الأزمة التنظيمية التي تنخر هياكل أكبر قوة سياسية في البلاد، منذ أزيد من سنتين، وهو أمر قد ينعكس سلبا على الوضع السياسي للبلاد، جراء ثقل هذا الحزب، الذي يتجاوز بكثير دور الأحزاب الأخرى في المشهد السياسي. ولعل ما يزيد من حجم المخاوف أيضا هو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، لم يعد يفصلنا عنها سوى سنة ونيف، وقبل ذلك، التحضيرات الجارية لتعديل الدستور المرتقب في النصف الأول من العام الجاري، لأن استمرار الأفلان من دون قائد، من شأنه أن يخلط الأوراق على مستوى المجلس الشعبي الوطني، عند أي تصويت على وثيقة الدستورالمقبلة.