فجر باحثون وأساتذة في التصوف والطرق الصوفية قضية من العيار الثقيل حينما أكدوا أن هذه الأخيرة أشعلت ثورات عدة ضد مختلف الأنظمة التي حكمت المنطقة، خصوصاً بعد سقوط دولة الموحدين حتى نهاية العهد العثماني، كما كان لها دور محوري في مقاومة الاحتلال الفرنسي كانت أولاها المقاومة البطولية التي قادها أبناء الطريقة الرحمانية ومن بعد ذلك جاءت ثورة الأمير عبد القادر وهو من الطريقة القادرية، ثم جاءت عشرات الثورات والانتفاضات الأخرى التي قادها الصوفية، من بينها ثورة لالة فاطمة نسومر الشريفة ابنة الطريقة الرحمانية، والتي هزمت وحدها سبعة جنرالات فرنسيين واستمرت ثابتة على خط المقاومة وهو عكس الحركة الإصلاحية الممثلة في جمعية العلماء التي حاربت الصوفية، بل يضيف هؤلاء على هامش اللقاء الذي نظمه قسم علم الإجتماع حول "الزوايا والطرق الصوفية والاستعمار" في إطار الأسبوع العلمي للعلوم الاجتماعية الذي تنظمه جامعة السانيا بوهران أن علماء الإصلاح كان خطابهم أقرب إلى المهادنة والاندماج مع المحتل الفرنسي منه إلى الوطنية والمقاومة والثورة، و أضاف هؤلاء أن عدة معطيات تاريخية موثقة أشارت لمواقف سلبية لهؤلاء الإصلاحيين من الثورة وبعضهم تعرض للمجاهدين ووصفهم وقتها بأقبح الصفات. وأضاف باحث متخصص في التصوف أن العلماء لا يملكون الحجة الدينية على الصوفية بالمعنى المطلق، وإنّ أقصى ما يمكن أن يقال في هذا الجانب، هو أن للعلماء رأيٌ، وللصوفية رأيٌ، وكلاهما يملك الشرعية الدينية، مؤكدا أنه يكفي الطرق الصوفية من الإنجازات أنها ساهمت وبشكل فاعل في توقيف العنف الذي ساد خلال العشرية السوداء. ووصف أستاذ علم الاجتماع بوعرفة من جانب آخر الصراع المغربي والجزائري حول الطرق الصوفية بالسياسي وأكد الخبير في التصوف والطرق الصوفية أن هذه الأخيرة تمثل اليوم، بشكل أو آخر، حالة من حالات الاستقطاب في المنطقة، وهو ما يشكل وزناً استراتيجياً لا يمكن الاستهانة به في حسابات البلدين،موضحا حالة الطريقة التيجانية والتنافس بين البلدين على زعامتها واستقطاب رموزها وأتباعها الكثيرين، باعتبار أن مؤسس الطريقة أحمد التيجاني ولد وعاش في الجزائر فعلاً، لكنه توفي ودفن في المغرب، وبالتالي لا يجب أن يكون هذا المعطى سبباً لتقسيم أبناء هذه الطريقة وتقاسم السيطرة عليها يضيف مؤكدا أن تلك المزايدات ما هي إلا رغبة من البعض في إذكاء أسباب التوتر السياسي بين المغرب والجزائر. ودعا أمس عدد من الأساتذة والباحثين في هذا المجال إلى ضرورة كتابة ونشر تاريخ الزوايا في الجزائر وعلاقتها بمختلف أوجه العمل الوطني والحركة الوطنية، وذلك من خلال الوثائق المتوفرة على المستويين الداخلي والخارجي. ومنها ضرورة الارتفاع بالزوايا إلى دورها السابق بوصفها مرجعية دينية علمية وروحانية واجتماعية ثقافية، وذلك من خلال تأسيس معاهد حقيقية على مستوى عال من الكفاءة العلمية والروحانية، بالتفاعل مع مختلف القدرات والكفاءات الوطنية والمغاربية والعربية والعالمية في هذا المجال، لأن التصوف لا ينبغي أن تحده الحدود الجغرافية. ل.كريم