في خضم الانحطاط الذي تشهده اللغة العربية و اندثار قواعدها بعقول الناس وعلى ألسنتهم، .وبات يستصعبها معظم الجزائريون حتى ذوي الشهادات العليا منهم، لم يعد أمام الشباب الجزائري خيار سوى اصطناع ألفاظ مستحدثة في اللهجة العامية ، يقتبسونها تارة من لغات متعددة عبر العالم، وتارة يتلفظون بعبارات لا أصل تنسب له ، و لا وزن تقاس عليه، غير أنهم بتلفظهم بها يسيئون لله و الأنبياء و المقدّسات الدينية تعبيرا عن تجبّرهم و بسالتهم . محمد .بن حاحة تشهد هذه الألفاظ التي توصف من قبل علماء الاجتماع بالهجينة والدخيلة على ثقافة مجتمعنا الأصيل، حيث كثر استعمالها من طرف الشباب الجزائري و زاد رواجها في أوساطهم ، حيث تتناسب تعقيداتها و شفرتها مكبوتاتهم ونمط عيشهم الصعب ، سواء من الجانب الاجتماعي أو السلوكي ، و لم تعد مجرّد كلام سوقي يطلق من طرف فئة قليلة و تسمعه فئة ما ، بل تعدّت الظاهرة المجتمع الجزائري من الشارع إلى البيت الجزائري، حيث صار يستعملها الصغير و الكبير ، جاهلين أو متجاهلين خلفياتها وحتى معانيها ، والتي قد تصل في كثير من الأحيان إلى المساس بالمقدسات الدينية . تقليد للآخر؟ أم بديل يغطي عدم إتقانهم لغة الضاد، أو أي لغة أخرى؟، لم يبقى أمام الشباب إلا "الدارجة" المقتبسة من هذه اللغة ، وتلك لتصبح وسيلة يتصلون بها ، و من الطبيعي أن تدخل مصطلحات لغة ما في لغة أخرى ، بحكم عوامل جغرافية و تاريخية أو غيرها من العوامل، لكن من الخطورة أن نظن بأن تلك اللغات تفضل على لغتنا العربية ، وأنها لغة الحضارة و التقدم ، في حين تكون لغتنا لغة التأخر، علما أن مختلف لهجات مناطق الوطن تحمل أصالة وتاريخا، غير أنهم تخلوا عنها إلى أن اندثرت، وحلّ محلها كلام لا يكتمل ، إن ما استرق من لغة لفضا ليعبّر به عن معنى . تنابز بألفاظ اعتباطية "المباصي"، "المكحوس"، "شبرق" "مغندف" "قاوري" "عيشة راجل" و"الأنوش"..إلخ، هي مفردات جرى التنابز بها على ألسنة الشباب حتى انتشرت بينهم ، و التصقت بلغتنا الدارجة الأصيلة لتذهب بأصالتها و جمالية دلالتها، فجهلنا بمصدر تلك الألفاظ وإدخالها في لغتنا دون بحث أو استناد لضوابط علمية ، حاد بلغتنا عن قواعد النحو والصرف وزاد من لحنها و أخطائها، وتبيينا لهذه المآخذ تصدّت "الجزائرالجديدة" لهذه الألفاظ الدخيلة بتقصيها و التحقيق في أصولها ومعانيها ، مستعينة بأساتذة و باحثين متخصصين في هذا المجال . "راني فقوسطويا"، "المورال ديالي" ، "أنوش" ، عبارات متعددة يستخدمها الشباب بشكل دائم، وفي كل حالاتهم وحاجياتهم، مثلا عند قولهم "راني فقوسطويا" فإنهم يستخدمون لفظ "قوسطو" الإسباني و الذي يعني المراد أو المبتغى للتعبير عن حالة نفسية مريحة ، أو قد يستخدم لدى الشباب بمعنى الهواية، ويرى المختص الاجتماعي "عبّاد خالد" أن أول ظهور لهذه الكلمة كان بين فئة المدخنين من الشباب، حيث تم استنباط كلمة "راني" من اللفظ العربي "أراني"، و التي تستخدم عند اليقين بوقوع أمر ما، غير أن الشباب الجزائري يضيف لها كلمة "قوسطو" للتعبير عن حالة ظرفية دائمة، أو تعبيرا عن فعل مستقبلي يستريحون لفعله أو لانعدامه ، أما فيما يخص لفظ "ديالي" فهو الآخر من أصول عربية كذلك، ويعني "ذا لي " أي ملكي وحوزتي . وتعبير الشباب باستعمال لفظ "المورال ديالي" ، و الذي اعتبرته المختصة الاجتماعية "زواد نادية" وصفا للحالة النفسية والمعنوية التي يشعرون بها، والتي قد تكون سلبية أو "إيجابية أو سلبية ، فعلى سبيل المثال"المورال ديالي راهو أنتيك" أو "..راهو في "الزيرو". وقد أكدت لنا الأخصائية النفسانية "لوتيس كريمة " أن الشباب يفضل استخدام هذا النوع من الألفاظ دون فهم معناها أو أصلها ، لأنها تعبر عن حالته النفسية و الاجتماعية باختصار ، ففي كلمة أو اثنتين قد يعبّر عن كل حالته". "راني كي القور" أو "القاوار"، هي الأخرى من الألفاظ التي يستعملها الشباب قاصدين بها الأجانب من الغرب و الأمريكان وغيرهم ، وقد يقصد بها الفرنسيون بالأخص، فمثلا يقول البعض حتى من الأجيال السابقة "نهدر القاورية" أي أتكلم اللغة الفرنسية ، و الخطر في هذا اللفظ هو أن الكثير من الشباب يعبّرون عن أناقتهم بتشبيههم بال "الغور" و أصل الكلمة "غاوري" من اللغة التركية وتعني "كافر" ، وهنا قد يشبه الشاب نفسه في مظهره بالكفار متفاخرا بتشبهّه بهم . كلمات تمس بالمقدّسات تمسٌ الكثير من هذه الألفاظ بالمقدسات الدينية ، سواء عن قصد كما يجهر مطلقوها بتسميتها بال"كفريات" ، كسبّ الدين و الله و النبي، أو عن غير قصد ، كبعض العبارات المنتشرة في لغتنا الدارجة ، و التي ألفنا التلفظ بها ، إلا أن الكثير من العلماء نبّهوا إلى أنه لا ينبغي قولها و هي كثيرة ، نذكر من بينها "والله والو" ، إذ يشبه العلماء قائلها بمن يقول أن الله لا شيء ، أو بمعنى آخر أن لا وجود لله، والأمر خطير لقوله تعالى " هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم" ، وحتى صرنا نسمع الكثير من الناس يقولون حين ينطق بها أحد أمامهم ، يسرعون قائلين "والله واحد". من بين الألفاظ الأخرى التي انتقدها أئمة جزائريون لفظة "جابلي ربي" إذ يقولون أنه لا يجب التلفظ بهذه العبارة ، فقائلها كمن يقول أن الله قد أوحى له ، ثم إن العرف جرى على إطلاقها عند الشك في أمر الله ، وما يأتي من عند الله إلا اليقين. ألفاظ تحمل رسالة للشباب كلمات مختلفة يستعملها الشباب ، و هي تحمل في طياتها العديد من الأحكام ، من بينها كلمة "بوجي تاكل الروجي" هي مزيج بين اللهجة العامية واللغة الفرنسية ، فهي تجمع بين لفظ "بوجي" أي تحرّك و "روجي" و هو نوع فاخر من الأسماك ، ويدعى باللغة العربية "بسمك سلطان إبراهيم" ، و هو سمك باهظ الثمن، وفي هذه الجملة دلالة على أن من يريد الرفاهية فعليه بالعمل الدؤوب . ، فكلمة "الروجي" على حدّ قول الأخصائية الاجتماعية "نادية زواد" ، ما هي إلا تعبير عن العمل والاجتهاد و الكد في العمل ، إذ أن هذا السمك لا يؤكله الجميع ولا يقدر على إحضاره للبيت إلا غني أو عامل براتب جيد، ولا يمكن للفقير أو البطّال أن يقتني هذا السمك، و كأن هذا المثل يوحي بنفس معنى المثل القائل من جدّ وجد . وهناك مثل عاصمي آخر يناقض المثل الأول وهو " إذا أعطاك العاطي ما تشقى ما تباطي" ، و كل ألفاظه عربية ما عدا اللفظ الأخير ذو الأصل الفرنسي ، و الذي يعني "الضرب أو الخصام" ، ومعناه أن الله إذا تكرم على عبده وجاد عليه بنعمه ، فسيحصلها دون حول منه ولا قوة ، وسيعيش مرتاحا بعدها . . ألفاظ تحمل رسالة للمسؤولين بتعبير شبابي جزائري "أنتيك يا خو"، هي الأخرى تعرف رواجا عند الشبان و العاصميون بالأخص، فهذه اللفظة ذات الأصل الفرنسي "أونتيك" ، و نجدها حتى في اللغة الإسبانية بلفظ "antiguo"، يطلقها الشباب من أجل قول "كل شيء على ما يرام" كتعبير للصمود في وجه الانسداد و تدهور الحالة الاجتماعية و الاقتصادية و انعدام وسائل الترفيه ، و عدم القدرة على تحقيق الأحلام لكثرة الإعاقات والعراقيل، وظهر هذا المصطلح حسب المختص الاجتماعي "مصطفى عباد " في السنوات الماضية ، في حين يؤكد أعمر تومي، أستاذ في اللغة الفرنسية ، بأن المقاربة تكمن بين المصطلح الفرنسي "الأنتيك" والرمز المشفّر عند الشباب، يتمحور حول هذا القديم المنسي في الزوايا للتعبير عن حالة سائدة ملّها الشباب، لكن في الوقت نفسه الشيء الموجود بها ثمين وغال وجيد، رغم النسيان الذي يعتريه. مصطلحات عديدة تعدّت الإقليم الجغرافي ، وخاضت المجال الاقتصادي و تحدت في جرأتها المقدسات الدينية ، يكون الإنسان حيالها الضحية الذي فرضت عليه الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و الأولويات الدنيوية و المادية للحياة أو يكون المحتمي خلفها عند فقده هيبته بين الرجال .