حان الوقت لتغير ذهنية المجتمع تجاه المرأة المبدعة قالت الشاعرة والدكتورة حبيبة محمدي مختصة في فلسفة الجمال، أن هجرتها إلى مصر لم تكن فقط بسبب استكمال دراستها العليا، بل كان أيضا بهدف البحث عن بلد يحتضن إبداعها وموهبتها الفكرية، وذلك بعد أن صدت في وجهها جميع الأبواب التي طرقتها لنشر ديوانها الأول "المملكة والمنفى" في بلدها الجزائر. وأضافت الدكتورة حبيبة محمدي لدى استضافتها أول أمس بفضاء صدى الأقلام بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي، أنها حاولت من خلال هجرتها تحدي سياسة التغميم التي تفرضها جهات معينة في الجزائر على المبدع وعلى المثقف بصفة عامة، وسياسة البيروقراطية التي غيب بسببها الكثير من المواهب والمبدعين، وهذا السياق أشارت المتحدثة إلى الفارق الموجود بين الساحة الثقافية في الجزائر ونظيرتها في مصر، البلد الذي احتضنها طيلة 15 سنة، و احتضنت إبداعها منذ إصدارها لديوانها الأول "المملكة والمنفى" في سنة 1995، الذي أثار حسبها انتباه الكثير من النقاد والمبدعيين المصريين الذين اعترفوا بها وبموهبتها، واحتوى إبداعها لتتوالى بعد ذلك إصدارتها منها "وقت في العراء" والذي أعاد ترجمته الناقد محمد عناني إلى الإنجليزية، "الخلخال"، "مشاتل الحنين"، و هو لا يزال قيد الطبع وحسب المتحدثة يعود ذلك إلى الثورة المصرية التي سببت في تعطيل هذا المشروع بالإضافة إلى عودتها الجزائر. وأشارت أن مصر لم تمنحها فقط فرصة النشر بل دعمتها بأكثر من ذلك بمنحها العضوية في إتحاد الكتاب المصريين، ومنحها أيضا المشاركة في مؤتمراتهم الفكرية، وغيرها من النشاطات الثقافية. وفي هذا السياق قالت المتحدثة "أنا أدين لمصر البلد الذي يؤمن بالموهبة ويقدرها ويفتح الأبواب دون وسائط، وجعل من حبيبة محمدي الجزائرية صوتا شعريا راسخا ومعروفا بمصر وبالوطن العربي". في سياق أخر ذكرت المتحدثة إلى أنها طيلة تواجدها بمصر حاولت أن تكون سفيرة الجزائر، وأن تقدم نموذجا للمرأة الجزائرية التي واجهت تحديات كبيرة، كما عملت على إيصال صوت المرأة الجزائرية المبدعة والمثقفة التي حملت على عاتقها مد جسور العلاقات الثقافية بين الجزائر والوطن العربي وبالتحديد من مصر، لتشير بهذا الخصوص على ضرورة تجاوز الأزمة التي خلقتها الخلافات الكروية بين البلدين، "ومن ضروري تجاوز ما عشنها بسبب الخلافات الكروية وأنه آن الأوان لتحقيق وحدة الأمة العربية". كما تحدثت الشاعرة وبإسهاب عن بدايتها في الكتابة وقالت عنها "إنها هويتها منذ الطفولة حين كانت تستبدل الدمى والألعاب بالورقة والكتاب" وأنها غذتها بجبها للقراءة والمطالعة التي تنوعت وتعددت وشملت جميع المجالات كالدين والسياسة، العلوم، الاقتصاد و هنا دعت المتحدثة المبدعين وهواة القلم إلى ضرورة المطالعة التي تساهم في تغذية الفكر وفي تراكم معرفي يساعد الكاتب مستقبلا في تشكيل الحروف الأبجدية حسب وكيف ما يريد"، مضيفة في السياق ذاته أن دراستها للفلسفة ساعدتها الكتابة بالأسلوب التي وصلت إليه وقالت أن الفلسفة والشعر هما مادتان يغرفان من نفس المنبع (التأمل، الخيال، الوعي، والإدراك). وبخصوص كتابتها للقصيدة الومضة أو كما تعرف بقصيدة "الهايكو" قالت المتحدثة أن هذا النوع من القصائد أصبح يلهما لأنه يعتمد كثيرا على الاختزال، فهو يختزل في عدد السطور لكن يكثف في المعنى، وفي هذا السياق دعت الدكتورة إلى ضرورة الاختزال في الكتابة حتى وإن لم تكن على طريقة الهايكو، وذلك تجنبا لسقوط في متاهة التكرار الذي يفقد القصيد في الأخير قيمتها الفنية والمعنوية تقول المتحدثة. وفي ردها عن سؤال الجزائر الجديدة حول مكانة المرأة المبدعة في الجزائر وما الذي حققته، قالت الشاعرة بأن المرأة المبدعة في الجزائر وفي باقي الدول العربية بصفة عامة أمامها تحديات كبيرة تواجهها حتى تفرض وجودها في الساحة الأدبية و في الفعل الثقافي، وذلك لأن المجتمعات العربية مازالت مقيدة بعقائد وذهنيات تضع المرأة في الدرجة الثانية ليس لها حقوق مثل الرجل، فنظرة المجتمع إلى المرأة هي نظرة دونية رغما أن خلقت إنسان مثلها مثل الرجل لكن المجتمع يجعلها امرأة، وفي هذا الصدد دعت الدكتورة حبيبة محمدي إلى ضرورة إعادة المرأة إلى كيانها وذلك من خلال تحديها لواقعها وجعلها تفرض نفسها بعملها وإبداعها. كما قدمت الشاعرة للحضور مجموعة من القراءات الشعرية من دواوينها الأربعة "وقت في العراء"، "الخلخال"، "المملكة والمنفى"، وبعض القصائد المطولة التي لم تنشر بعد منها ما كانت وطنية وجدانية لامست كلماتها الحضور، وحملته معها في رحلتها بكل متعتها وجمالها، لان الشاعرة وحسب ما قالته وما لمسنه بدورنا أنها كانت تكتب بروحها وأكدت بأنها تكتب لأنها تعتبر الشعر هو متنفسها الوحيد ودونه لا تستطيع العيش أو تحس بأنها موجودة.