دق الوزير الأول عبد المالك سلال وطاقم حكومته ناقوس الخطر، وقرروا أخيرا إطلاع المواطن على أسرار الخزينة، وأعلن أمس من جنان الميثاق مخاوف فعلية من تراجع أسعار النفط. بعد استنفاذ جميع وسائل الإقناع أن الجزائر لها من الإمكانيات ما يمكنها من تجاوز أعتى الأزمات، غير أن التقارير الدولية واستشرافات مستقبل الإقتصاد عجلت باستسلام الحكومة التي لم تجد أمامها من حل سوى استعراض آخر حلولها، باتخاذ تدابير جديدة لمواجهة الخطر المالي القادم، وارتأت قول الحقيقة، على أمل اكتساب ثقة الشعب. تعيش حكومة سلال على هاجس الدخول الإجتماعي وتتخوف من انفجار الشارع، وما يسميه سلال "العاصفة الاقتصادية" تلوح في الأفق، في وقت تقترب نيران أمنية من الحدود الشرقية والغربية والجنوبية. وبعد الإعلان عن سياسة التقشف وتقليص الميزانية من خلال تخفيض النفقات وإلغاء عدد من المشاريع، توقعت أحزاب معارضة وخبراء أسوأ السيناريوهات، وتفشت خطابات انخفاض القدرة الشرائية وإفلاس مؤسسات وتسريح العمال وتبشير بالبطالة والفقر وكل أنواع الآفات والأزمات، وأضافت احتمالات اللجوء للمديونة نكهة مرارة على الجو العام، في عز البحبوحة المالية. ولقطع الطريق أمام جهات تزرع الفرقة بتعبير سلال، سارعت الحكومة لاتخاذ تدابير جديدة، ترجمها لقاء للحكومة بالولاة وستتبعه لقاءات مع المجلس الوطني الإقتصادي والباترونا، وستفتح الحكومة أبوابها للمختصين والخبراء الإقتصاديين للخروج بحلول تجنب الجزائر الغرق، حتى مرور العاصفة التي ينذر المختصون بطول أمدها، في انتظار الأسوأ بدخول إيران سوق النفط وقرار الكونغرس الأمريكي بالتصدير لدول أوروبا ابتداءا من 2017، وبالتالي زمن الحلول المؤقتة قد ولى، وأصبح التخلي عن الريع والتوجه لإقتصاد متنوع ضرورة حتمية لا مفر منها. واستجابة لدعاة التخلي عن المركزية والرجوع للإدارة في كل كبيرة وصغيرة، قررت الحكومة توسيع صلاحيات السلطات المحلية ودعتها لخلق اقتصاد الجماعات المحلية لتحقيق الإكتفاء الذاتي، كما سيكون على الحكومة التفكير في استراتيجية بعيدة المدى من خلال العودة الى الفلاحة والصناعة للتقليل من فاتورة الاستيراد واستغلال امكانيات الجزائر الضخمة. وحمل خطاب سلال رسائل مشفرة عن أطراف اقتصادية وسياسية قال بشأنها أن "الإجراءات الجديدة ستجد مقاومة"، كما حث الخطاب القطاعات الراكدة على خلق الثروة في مجالات غير الريع لتقليص الجباية على الريع واستهداف التصدير خارج المحروقات. في المقابل يتخوف خبراء الإقتصاد من تحولات السوق العالمية التي من شأنها عرقلة خطط الحكومة التي جاءت في وقت طارئ واستدعتها ظروف حتمية، خاصة مع سياسة التقشف وتراجع إحتياط الصرف، وعدم استقرار أسعار النفط واحتمال استقرارها في الحد الأدنى، ما سيضع الحكومة في مأزق مباشر مع المواطن الذي يحتم عليها ضمان قدرته الشرائية وعدم المساس بالسلع المدعمة، والنهوض بالفلاحة والصناعة والسياحة.