أمر الوزير الأول، عبد المالك سلال، أعضاء الحكومة والولاة بتأجيل مشاريع البرنامج الجاري التي لم يتم الانطلاق فيها بعد، مع إلزام استخدام المواد المصنعة وطنيا في ورشات الصفقات العمومية، وفي تعليمة صارمة ضمنها قرارات وتدابير التقشف في النفقات العمومية أمام استمرار تدهور أسعار النفط، تقرر الحد من التنقلات الرسمية إلى الخارج وتقليص التكفل بالوفود الأجنبية إلا في ضرورة التمثيل القصوى. جسدت مراسلة رسمية وجهها سلال أول أمس إلى أعضاء الحكومة وولاة الجمهورية والمدير العام للوظيف العمومية القرارات التي تم اتخاذها خلال الاجتماع الوزاري المصغر الذي ترأسه القاضي الأول للبلاد عبد العزيز بوتفليقة منتصف الأسبوع الماضي، وحدد الوزير الأول في ديباجة الوثيقة التي تحصلت »صوت الأحرار« على نسخة منها أسباب ودوافع الإجراءات المتخذة، مشيرة إلى» تقهقر ملحوظ لأسعار النفط مع احتمال دوامه ، مما يترتب عنه تراجع كبير لإيرادات الميزانية مع التأثير المحتمل على التوازنات الداخلية والخارجية«. وحرص سلال في مراسلته التي حملت عنوان »تدابير تعزيز التوازنات الداخلية الخارجية للبلاد« على التأكيد بأن »بلادنا تملك من القدرات لمواجهة ذلك، والحافظ على برنامج التنمية المدعم للسياسة الاجتماعية للحكومة في ميادين التربية والتعليم العالي والمهني والصحة والسكن «، ملفتا إلى أن حرص الدولة على اتقاء مزيد من التدهور المحتمل لمحيط المالي و الاقتصادي العالمي يملي وضرورة التحلي بسلوك صارم وشجاع في مجال النفقات العمومية. وجاءت تعليمات سلال في 22 نقطة تضم مجالات الإنفاق والتجهيز وتحسين المواد وتمويل الاقتصاد، والتجارة الخارجي وتنويع الاقتصاد خارج المحروقات وتعزيز المراقبة في المجال المالي والضريبي وتحويل العملة الصعبة للخارج، وفي مجال نفقات التسيير أمر سلال الحكومة بالتحكم في عمليات التوظيف من خلال تعليق كل توظيف جديد ماعدا في حدود المناصب المالية المتوفرة من خلال اللجوء وبعد موافقة الوزير الأول إلى تنظيم المسابقات والاختبارات المتعلقة بذلك.كما قرر في نفس المجال الحد من التنقلات الرسمية إلى الخارج بما يجعلها تقتصر على ضرورة التمثيل القصوى، وتقليص التكفل بالوفود الأجنبية التي تزور الجزائر في إطار المبادلات الثنائية أو بمناسبة التظاهرات المختلفة.وضمن نفس سياق ترشيد النفقات والتحكم فيها أمر سلال بتطبيق القواعد الصارمة لمدى الجدوى في تنظيم اللقاءات والندوات غيرها من التظاهرات. وستشمل تدابير تقشف الحكومة المطالبة بشد الحزام على مدى السنوات الأربعة المقبلة إجراءات جديدة تقضي بالحد من إنشاء المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري وجعلها تقتصر فقط على المنشآت الاجتماعية التربوية مع ترشيد تنظيمها وتسيير ها في خطوة ترمي بالأساس إلى تقليص من حجم الأظرف المالية التي تمنحها الخزينة العمومية لتسير مثل هذه الهيئات الإدارية التي تطفي عبأ ماليا كبير على الدولة. وفي مجال نفقات التجهيز، تضمنت الوثيقة الرسمية، التي تم إرسالها إلى رئيس الجمهورية على سبيل عرض حال، تعليمات صارمة بمنح الأولوية لإتمام المشاريع التي انطلقت في الآجال المحددة وضمن التكاليف المقررة، كما تقرر تأجيل كل المشاريع المسطرة ضمن البرنامج الجاري والتي لم يتم الانطلاق فيها بعد بهدف القيام بعمليات إعادة الهيكلة الضرورية وفقا للأولويات والحاجيات الحقيقية واللازمة، مع تأجيل كل المشاريع غير الضرورية. وبموجب الإجراءات المتضمنة في الوثيقة سيكون أصحاب المشاريع المسطرة في إطار الصفقات العمومية مجبرين على استعمال المواد المصنعة وطنيا في إنجاز مشاريعهم، كما أصبحوا ملزمين بإشراك المؤسسات العمومية والخاصة الوطنية في إنجاز المشاريع ولا يتم اللجوء إلى المؤسسات الخارجية إلى عند الضرورة الملحة. الحكومة لن تتساهل في تحصيل الضرائب وفواتير الكهرباء والغاز وستكون الحكومة ملومة بناء على تعليمات الوزير الأول بتكثيف الجهود بغرض تحسين نسبة تحصيل الجباية العادية ومردودها من خلال التوسيع التدريجي لقاعدة الوعاء الضريبي، بالإضافة إلى مضاعفة التدابير الرامية إلى تحسين مستوى تحصيل الإيجار والإتاوات على غرار الكهرباء والغاز. وأمر سلال في ما يتعلق بتمويل الاقتصاد بتجنيد البنوك والمؤسسات المالية للمساهمة أكثر في تمويل الاقتصاد واتخاذ التدابير الضرورية الرامية إلى تجسيد هذا المسعى، وبهدف السعي إلى إيجاد بدائل أخرى عن ميزانية الدولة لتمويل المشاريع، أصدر سلال توجيهات بالعمل تدريجيا على تطوير سوق رؤوس الأموال، بالإضافة إلى تطوير الشبكات البنكية بهدف جمع المزيد من الادخار وتحسين مصرفية البنوك وتعبئته لتمويل الاستثمار الاقتصادي. وفي مجار مراقبة التجارة الخارجية أمر سلال بتنسيق العمل لتنفيذ التدابير الضرورية لتعزيز مراقبة عمليات التجارة الخارجية ومكافحة بلا هوادة التحويلات غير القانونية للعملة الصعبة، بالإضافة إلى تدعيم التدابير الكفيلة بتسهيل وتشجيع التصدير. ومن المنتظر أن تعزز الحكومة عملها مستقبلا لترقية مصادر جديدة للثروة خارج المحروقات وهو ما تضمنته مراسلة سلال التي تحدثت عن »توجيه جهود التحفيز والتمويل نحو القطاعات ذات الأولوية على غرار الفلاحة والسياحة والطاقات البديلة والصناعة والرقمنة وجعل المساعي التحفيزية في القطاع الصناعي مشروطة بأهداف تحسين الإنتاج وتقليص الاستيراد وترقية التصدير. وكلف سلال وزير المالية، محمد جلاب، شخصيا وتحت سلطة الوزير الأول بالسهر على »التنفيذ الصارم لأحكام الميزانية والمالية، كما ألح سلال في تعليمته على أهمية التنفيذ الصارم لهذه الإجراءات، مشدد على أهمية »أن يمتثل أعضاء الحكومة إلى مسعى وانضباط حكومي متناسق واستشرافي«.