يطرح ترسيم الدولة الجزائرية للغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية ثانية –إضافة للعربية- الكثير من التساؤلات حول مدى جدية السلطة في المضي قدما نحو تجسيد هذا الترسيم فعليا على ارض الواقع، بالنظر إلى المخاض العسير الذي استغرقه هذا المطلب والذي امتد لأكثر من نصف قرن من الاستقلال، وسط تخوفات من أن تلقى نفس التهميش الذي تعاني منه اللغة الوطنية الأولى وهي العربية. وتأتي مشروعية التساؤل حول مدى جدية السلطة في هذا المسعى وتكريسه، بالنظر إلى الوضع الكارثي الذي تعيشه اللغة العربية التي من المفروض أنها اللغة الرسمية والوطنية الأولى، لكن التعامل لدى مختلف الإدارات الجزائرية والمراسلات الداخلية والخارجية وتتم في مجملها تقريبا باللغة الفرنسية رغم أنها ليست لغة لا وطنية ولا رسمية. ولعل أكبر دليل على هذا التخوف أن رئيس ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحي، وخلال تقديمه لمشروع التعديل الدستوري أمس بإقامة جنان الميثاق، خاطب الحضور ولمدة معتبرة باللغة الفرنسية، ولم ينطق ببنت شفة باللغة الأمازيغية على الرغم من انه كان بصدد مشروع تعديل دستوري يحجم لترسيم هذه اللغة، وكان بإمكانه تقديم دليل حسن نية والتحدث فقط باللغة العربية التي هي اللغة الرسمية الأولى ويخاطب الحضور كذلك باللغة الأمازيغية التي هي التي ستصبح قريبا هي اللغة الوطنية الثانية لكن هذا الأمر لم يحدث. ويعزز حال اللغة العربية اليوم وتجاهلها من طرف السلطة، التخوف من أن ترسيم اللغة الأمازيغية سوف يلقى نفس المصير وهو الرمي بها في الثلاجة، ولن يتعدى الترسيم حدود الوثيقة التي قدمت فيها، لأن التجارب السابقة أبانت أن الجزائر ليست بحاجة لنصوص بقدر ما هي بحاجة لتطبيق محتوى النصوص الموجودة أصلا، حيث أن السلطة مطالبة بإقرار الميكانيزمات والقوانين والوقوف على تطبيقها لضمان ترسيم حقيقي على ارض الواقع للغة الأمازيغية، وليس الاكتفاء بمنحها مادة في التعديل الدستوري دون أي متابعة. ويجد التخوف مشروعيته كذلك من كون اللغة الوطنية ورغم وجود هيئات ومعهد عالي للغة العربية وعديد التنظيمات وقانون خاص بالتعريب وغيرها، إلا أن ذلك لم يمنع من تهميشها وعدم جعلها في مقدمة التعامل الوطني، وهو ما قد يحدث أيضا لقضية ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية ثانية، على اعتبار أن هناك محافظة سامية الأمازيغية. وكثيرا ما وجد المسؤولون الرسميون الجزائريون انسفهم في حرج خصوصا عند زيارات الوفود الأجنبية حيث يلتزم ضيوف الجزائر بالحديث بلغة بلادهم في جل الحالات، لكن الطرف الجزائري يهرع دوما للحديث بالفرنسية، بل وفي كثير من الأحيان يتحدث الضيوف الغربيون بلغة عربية خلال زيارتهم للجزائر بينما يخاطب نظراؤهم الجزائريون شعبهم بلغة المستعمر.