هرم فني وشخصية قدمت الكثير للأغنية الوهرانية، شاعر وباحث في التراث المحلي مسرحي وإذاعي حتى وإن تعددت الموهبة فالرجل واحد أبدع فأمتع الآخرين ولا يمكن الحديث عن الفن في وهران دون الرجوع إليه والتحدث عن مختلف أعماله ومساهماته وبصماته المتميزة إنه الشاعر والكاتب المسرحي والإذاعي المرحوم صايم الحاج الذي ولد في 13 مارس 1935 بسيدي بلعباس وسرعان ما إنتقلت عائلته الى وهران ومن كشّاف الى مدرس الى عملاق الفن، تقلد منصب مدير فني بإذاعة الباهية ولم يحد عمله الإداري من عزيمته على الإستمرار في إنجاز أعماله الفنية فألف أكثر من عشر مسرحيات وأزيد من 120 أغنية مختلفة المضمون في الحب والغزل وفي حب الوطن، أغاني إستمدها من التراث الشعبي المحلي وأبدع في كلمات العديد منها ونال من أداها شهرة كبيرة بفضل قوة وصدى معانيها وجاءت رائعة »محال تفرقنا الأحوال« مع المرحوم أحمد وهبي وغنى له كذلك »شهلة لعيون« و»لبيك بلادي« والفنان القدير بلاوي الهواري »الغربة« و»هي هي« و»شواف الليل« كما كانت الفكاهة حاضرة في أعماله وزود الراحل علي الكحلاوي »بالحراز« و»قداشى غلطان« ولد فلان وكتب للمطرب رحال الزوبير »يا سعدية«، »الربيع« و»إرجعي« وشجع الأصوات الشابة آنذاك فغنت له جهيدة، جميلة ساحلي وكتب أيضا للأطفال ووجد حمزة فغولي المعروف »بماما مسعودة« في أعمال الصايم الحاج ما يشفي غليله من القصائد التربوية الهادفة فكانت رسائل موجهة للأطفال في قالب فكاهي متميزة لم تقتصر أعمال المرحوم الحاج الصايم على القصائد الشعرية فقط بل كتب المسلسلات والمسرحيات ورغم إنجاز التلفزة لمسلسله المتكون من 22 حلقة ويحكي عن شخصية القائد أحمد باي ومن إخراج محمد ونيش وتطلب العمل الفني مشاركة حوالي 40 ممثلا في أدوار رئيسية وثانوية، إلا أنه لم يعرض الى يومنا هذا لأسباب مجهولة. »شبل من ذاك الأسد« فتحي الإبن مبدع آخر ونحن نبحث عن إسترجاع الذاكرة الفنية للمرحوم الحاج الصايم ومن خلال حديثنا مع إبنه فتحي الصايم شعرنا بأن هذا الأخير يحمل الكثير من علامات البزوغ والنبوة الفنية وأنه على خطى والده لكن في مجال آخر وإبداع معاصر وهو الإخراج الإذاعي حيث يتألق الصايم الصغير في إذاعه الباهية وعند إستماعك للأغاني المقترحة عبر أمواج أثيرها وبدون الإنتظار عن إعلان أسماء العاملين في تلك الفترة فإنك تعرف جيدا أنه فتحي الصايم موجود بغرفة البث فهو الذي يمتع المستمعين بالأغاني التراثية القديمة وهو الذي يعمل على إحياء أعمال العديد من الفنانين من فطاحلة الكلمة والنغمة من أجل ربط الحاضر بالماضي ومد جسر التواصل بين الأجيال الفنية كما أنه يسعد المستمعين أيضا بالكوكتالات والباقات الغنائية المغربية والعربية الطربية من صباح فخري الى ناظم الغزالي ومن سميرة توفيق الى أم كلثوم حينما بادرناه بالحديث عن والده المرحوم الحاج الصايم أخبرنا بأن علاقته به كانت أكثر من الوالد كان الأب والصديق ولازال يتذكر تلك الجلسات والحفلات التي كان يأخذه معه إليها والتى تردد العديد من أصدقائه على بيتهم ويتذكر أيضا بأن والده كان يأتي في كل مرة إليهم بحزم من الكتب وكان يفضل وهو صغير أن يرى والده يدخل عليهم بمجموعة من اللعب مكان تلك الكتب وأنه كان يسافر لأسابيع ويبحر مع ذاته لساعات طويلة يتأمل ويتألم لمخاض عسير ينجب قصيدة جميلة في ما بعد كانت رحلاته نحو الجنوب لجمع المخطوطات والعودة بالتسجيلات عن حكايات شعبية وقصص أسطورية وأخرى حقيقية وكذلك للإستمتاع بجمال المنطقة وليتزود بأحلى الصور في مخيلته ليكون الزاد المعين له في إنتاج مزيد من الأعمال الأدبية الرائعة. شخصية فذة ومتميزة كان نعم الأب كما ذكرنا وكان المبدع المهاجر والباحث المتشوق لمعرفة ما وراء الصورة الجافة والكلمات المجردة كان يترجم مشاعره ويكتب بقلبه. أسماء تألقت فنيا وتجاهلت من كانوا سببا في نجاحهم؟ مفارقة عجيبة وغريبة وجحود ونكران تعود جذوره الى الماضي البعيد في عالم الفن والإبداع يتألق الكثير من الفنانين ويسطع نجمهم وخاصة المطربين منهم ويصبح أسماء العديد منهم على لسان كل إنسان، نجومية وعلاقات محبين وعشاق وإعلام ينشر أعمالهم وأغانيهم لكن القليل إن لم نقل لا أحد منهم يتكلم عن أصحاب الكلمات أو الألحان ويغطي إسم المغني البقية ويحجب تألقه إبداع الآخرين. ظاهرة عانى منها الكثير من المبدعين وفي شتى المجالات وهناك من أثرت عليهم وعلى صحتهم وحتى على حياتهم العائلية والإجتماعية ولعل أهم تلك المعضلات بعد النكران والجحود هي الحقوق المهضومة والتجاهل المستمر والمغني الذي يحي الحفلات بالملايين وينتج الأشرطة ويجني منها الملايين لا يكلف نفسه عناء منح جزء من مداخيله الى شركائه في النجاح الڤوالين أصحاب الكلمات الشعراء والملحنين وحتى الهيئة الرسمية المشرفة على القطاع الفني والراعية لحقوق المؤلف والفنان لا تقوم بدورها وكثيرا ما أضحكتنا تلك الرسائل الرسمية والحاملة لوثيقة التخليص عن أغاني بثت في المؤسسات الإعلامية أو بيعت عبر المنتجين الخواص، هناك من أظهر لنا فاتورة تخليص بها مبلغ 250 دج نعم دينارين وخمسون سنتيما كعلاوة عن بث وبيع تلك الأعمال، ضحك وهم وغم في نفس الوقت، معضلة عانى منها المرحوم الحاج الصايم ولازالت أعماله تبث وتنتج في الأشرطة والسيديات ولم تقبض عائلته أي شيء، أعمال سرقت فنيا وأخرى نسبت لغيره ولا أحد يوقف المهازل. للتذكير الحاج الصايم رحمه اللّه كتب للفنان المغربي القدير عبد الوهاب الدكالي رائعة "مونبارناس" وكتبت عنه الصحف الإستعمارية في 9 ديسمبر 1959 تحت عنوان "الرجل المعجزة" حول المسرح الشعبي بسيدي بلعباس ولازال إبنه فتحي يحتفظ بها، كما حاورته الجمهورية سنة قبل وفاته في 16 أوت 1994. تمر سبعة عشر سنة عن رحيل رائد الكلمة الجميلة ومازالت أعماله الخالدة تذاع وتباع هرم غادرنا بجسده لكنه حي من خلال أعماله وأبنائه وبهذه المناسبة يأمل كل محبيه وعائلته أن تكون ذكرى للإلتفاتة الى أعماله وجمعها في إنتاج حديث أقراص مضغوطة والقيام بتصوير فيلم يحكي حياته وآثاره وإبداعه خاصة وأن المادة الخام من تسجيلات وكتابات ومراجع وجرائد وصور موجودة لتكون الذاكرة الفنية، ذاكرة حية عن شخص كان ذات يوم بيننا، غادرنا ولكن روحه وإبداعه باقيان والى الأبد، رحمك اللّه يا الصايم الحاج ونم قرير العين لأن الإبن فتحي حمل المشعل وهو يسير على دربك.