ذكر الأستاذ عمر درقاوي أستاذ جامعي في علم الاجتماع بجامعة وهران 2 أنه قبل التطرق للانتحار بكونه ظاهرة اجتماعية متعددة الأبعاد علينا أولا الوقوف على معناه الدلالي ؛ و لهذا الغرض لا يمكن أن نجد أقرب من تعريف عالم الاجتماع الفرنسي أميل دوركايم الذي يعرفه في كتابه الانتحار الصادر سنة 1897 ليقول بأنه «عملية تشير إلى جميع حالات الموت التي تكون نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لفعل سلبي أو إيجابي قام به المنتحر نفسه وهو يعلم أنه سيؤدي إلى هذه النتيجة»، ويوضح دوركايم أن معدل الانتحار يختلف من مجتمع لآخر وفي المجتمع نفسه مع اختلاف الزمن ، و بالتالي فنحن أمام ظاهرة تتميز بنوع من الحركية ، فهي بالمعنى العام تخضع لمجموعة من المؤثرات التاريخية و الاجتماعية وحتى الثقافية التي تميز كل مجتمع وجماعة إنسانية عن الأخرى ، فالانتحار كظاهرة اجتماعية ليست بالأمر المُستجد ؛ بل نجد آثارها في جميع الثقافات و الحضارات ؛ فتشير المعطيات التاريخية أن الانتحار قد عرفته حضارة الهنود الحمر قديما فالزوجة التي تفقد زوجها كانت تقدم على الانتحار تعبيرا منها عن حزنها الشديد ، كذلك تستوقفنا الحضارة اليابانية مع محاربي «الساموراي» أولئك الذي كانوا كثيري الإقدام على الانتحار كلما وقعوا أسرى بيد الأعداء ، أو بعد تلقيهم لهزائم بالمعارك التي كانوا طرفا فيها. و بالعودة إلى واقعنا نحن فالانتحار كظاهرة اجتماعية قد عرف منحى تصاعدي ، خاصة في السنوات الأخيرة و بالتحديد بعد سنة 2011 التاريخ الذي يعود بنا لحادثة إقدام الشاب التونسي « البوعزيزي» لإحراق نفسه هذه الحادثة التي من وجهة نظري أنتجت نوعا جديدا من الانتحار والذي أحبذ أن أسميه «بظاهرة الانتحار البوعزيزي» لتنتقل من مجرد ظاهرة شاذة تحدث من حين لآخر كممارسة مرفوضة اجتماعية كونها تتنافى مع مبادئ الدين الاسلامي ، لتصبح كظاهرة شاملة مجتمعية ؛ أضحت تصاحب كل مظاهر و أشكال الاحتجاجات الاجتماعية التي باتت تعرفها المجتمعات العربية اجمالا و المجتمع الجزائري بالتحديد ، فالإحصائيات تشير أن 69 % من مجموع «المنتحرين» في العالم العربي كانت دوافعهم اجتماعية ، فحرق الجسد بات مرادفا رمزيا و مباشرا لصرخة تعبر عن المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و حتى النفسية التي أضحت تواجه هذا المقبل على الانتحار ، فاتخذت الظاهرة ( حرق الجسد) منحى تصاعدي جد خطير ، فبتنا نسمع بعمليات انتحار تكون مسبباتها و مرجعياتها بسيطة إن لم نقل تافهة في بعض الحالات كخلافات بين الزوجين ، أو بداعي عدم تحمل ضغوطات العمل ، أو حتى في عدم ايجاد الشاب لفرصة عمل أو غيرها من المشاكل العاطفية و الإقتصايدية وغيرها. و انطلاقا مما سبق على المؤسسة الدينية ممثلة في صرح المسجد أن يؤدي الأدوار المنوطة به وذلك و أن يتجند لدحر هذه الظاهرة الخطيرة والدخيلة على مجتمعنا والتي تتنافي بصفة قطعية مع مبادئ ديننا الحنيف الذي قوامه وأرضية مرجعيته الدعوة للتحلي بالصبر والإيمان لتجاوز كل مشاكلنا النفسية و الاجتماعية .