كأس إفريقيا للأمم-2025: "مجموعتنا ليست سهلة"    هيئة مغربية: التطبيع مع الكيان الصهيوني والتفريط في السيادة يقودان البلاد نحو المجهول    سوناطراك: حشيشي يبحث سبل بعث وتطوير الشراكة مع المدير العام لشركة "دي أن أو" النرويجية    افتتاح معرض صور فوتوغرافية للمصور والمناضل الراحل محمد كواسي بالجزائر العاصمة    مغالطات غرضها التهجّم السافر على الجزائر    دعوة لاحتواء محاولات تضليل التلاميذ    السيد رخروخ يشرف على إطلاق المقطع الأوسط من مشروع الخط المنجمي الشرقي للسكة الحديدية بوشقوف -وادي الكبريت    طاقة ومناجم: السيد عرقاب يتباحث بدار السلام مع نظيره التنزاني حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية    هذا جديد الصندوق الوطني للتقاعد..    من 29 يناير إلى 1 فبراير.. صالون دولي للشكولاطة والقهوة بوهران    تركيز على التمويل والمطالبة بتسهيلات في الممارسة والحماية    صنعوا مشاهد ملحمية : النازحون يعودون إلى شمال قطاع غزة مشيا على الأقدام    الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين: "دور ريادي في دعم الثورة التحريرية"    أحزاب ومنظمات تدين بشدة لائحة البرلمان الأوروبي الداعية إلى الإفراج عن مواطن جزائري متابع قضائيا    محرز يتألق في السعودية ويستعيد بريق "البريميرليغ"    بطولة البراعم انطلاقة جديدة لتطوير السباحة في الجزائر    دهيلي يعتبر الخسارة أمام الكويت منطقية    شباب بلوزداد يرتقي للمركز الثالث    ممثلو الجزائر يحصدون المراكز الأولى    الدرك يطيح بعصابة سرقة المواشي    برنامجان لربط 4799 مسكن بالكهرباء في سكيكدة    قرارات رئاسية لفائدة الطلبة    تدشين المتحف الوطني العمومي لشرشال    ترويج لأغنية الراي الجزائرية في قلب العاصمة الفرنسية    التزام بالتراث والطبيعة بالبلد القارة    بعد ترميم العديد من محتوياته..تدشين المتحف الوطني العمومي لشرشال    خلال حفل تكريم 500 حافظ وحافظة لكتاب الله:مأمون القاسميّ يدعو لتقوية حصانة المجتمع الجزائري ومناعته بالقرآن الكريم    اعتبارا من 10 فيفري القادم.. معرض وطني للكتاب بوهران    هل باتت ندرة الأدوية من الماضي؟    الجزائر-الاتحاد الأوروبي : مراجعة الاتفاق لبناء شراكة متوازنة ومستدامة    استقبل سفير مملكة بلجيكا لدى الجزائر ..بوغالي يستنكر تدخل الاتحاد الأوروبي في شؤون الجزائر    وزير الخارجية التونسي:حريصون على تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الجزائر    كأس الجزائر: تقديم موعد مباراة شباب بلوزداد-مولودية الجزائر الي 16 فبراير المقبل    إشادة واسعة بقرار رئيس الجمهورية بشأن تحمل الدولة الزيادات المقررة في تكاليف الحج    المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي يثمن قرارات اجتماع مجلس الوزراء المتعلقة بالقطاع    توقيع اتفاقية بين الصيدلية المركزية للمستشفيات وكلية الصيدلة بجامعة علوم الصحة    صناعة صيدلانية: تدشين وحدة إنتاج الأدوية المضادة للسرطان بالجزائر العاصمة    رياح قوية على عدة ولايات من الوطن ابتداء من يوم الثلاثاء    أمن العاصمة يوقف شبكة تزور وثائق تأشيرات السفر    كرة القدم: اختتام التربص ال3 من التكوين الخاص للحصول على شهادة "كاف أ"    المناطق الشمالية ستعرف سلسلة من الاضطرابات الجوية    وفاة شخصان في حادث غرق قارب صيد في مستغانم    فلسطين: آلاف النازحين يبدؤون بالعودة إلى شمال قطاع غزة    الرئاسة الفلسطينية تعلن رفض أية مشاريع لتهجير سكان غزة    حجز أسلحة نارية بسطيف    اتّفاقية بين سوناطراك والجمارك    التحوّل الإيجابي للجزائر يزعج "صانع القرار" الفرنسي    "محطة فوكة 2" التحلية تدخل مرحلة التدفق التجريبي    الإحصاء الاقتصادي يضمن النجاعة لسياسات الإنفاق    الكيان الصهيوني يمعن بانتهاك سيادة لبنان    ندوة فكرية حول ذكرى الإسراء والمعراج    اجتماع تنسيقي بالديوان الوطني للحجّ والعمرة    أحكام خاصة بالمسنين    تكريم 500 حافظ وحافظة للقرآن الكريم    القلوب تشتاق إلى مكة.. فكيف يكون الوصول إليها؟    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«تيمْليمانْ».. طقوس «الصوم الأول» بتوات..
ثرثرة من الجنوب

عَرف المجتمع التواتي عبر مساره الطويل، في ظل مقاومة حيف الجغرافيا وظلمها، أن حاول استلطاف يومياته المتعبة بالعزلة بعديد الأشياء، فابتدع بعض الطقوس والعادات الاجتماعية البسيطة، قصد إيجاد زخرفة عامرة بالأفراح لحياته، بحيث شكّلت تلك الطقوس كشكولا متميزا، تزركش بألوان التنوّع الثقافي (الزناتي، العربي، الإفريقي) المكوّن للوعاء الاجتماعي للمنطقة التواتية والقورارية والتيديكلتية، بحكم وقوع المنطقة، على خط معبر القوافل التجارية بين الشمال والجنوب، بيد أن هذه العوائد التواتية، قد أخذت تسميتها الأصلية من اللهجة البربرية الزناتية، بحكم أن قبائل هذه الأخيرة، خطّت المنطقة وعمّرتها في بداية نشأتها، لذلك ليس غريبا، أن نجد أغلب أسماء القصور، ومسميات الأشياء بهذه اللهجة البربرية. فلا تكاد تخلو مرحلة من مراحل الإنسان بهذه المنطقة، إلا وتجد لها مناسبة مخصوصة بها، بداية من طقوس الولادة، مرورا بالنفاس، والفطام، والحبو، والمشي، والختان، والصوم، والخطبة، والزواج، وغيرها من العادات الأخرى.
غير أن هذا الكم الهائل من الطقوس، بدأ ينكمش ويزول في استحياء ظاهر، نظرا لعدة عوامل تاريخية وحضارية، فرضها السياق الزمني المتسارع، مع قبول ذهنية التواتي للتخلي عن إرثه الثقافي، وجلد ذاته بغير قصدية، ومحاولة لبس ثوب التمدّن، الذي غزا القصور الطينية، فانطمست أغلب العوائد الاجتماعية بها، وهو الأمر الذي جعل بعض الطقوس لأن تدخل المتاحف وتعلّق بها.. ومن هذه العادات التي أدركتها وعشتها في صومي الأول؛ عادة تيمليمان.. وهي على أية حال، طقس إكرامي امتيازي، يقدّم للصائم أول مرة بتوات، حيث تذبح الذبيحة على شرف الصائم، قبل أيام من دخول شهر رمضان المبارك، فتقام وليمة مصغّرة للصائم، يُدعى إليها أنداده من الجيران، بحيث يفرد له سهم وافر من اللحم في تلك الليلة الميمونة، ويُهمس له في أذنيه، من أنها تيمليمان الخاصة به، حتى يعقل عليها.. كما تحضّر له أمه تدارته المخصوصة من سفوف التمر المكسّر، و(التدارة) تفيد في اللهجة المحلية الزناتية، معنى الوعاء المنسوج من الزيوان بسعف النخيل، وقد سميّت بالتدارة، لكون نسجها يكون دائريا مخروطيا.
تيمليمان.. مصطلح زناتي بالأساس، تقول الروايات الشفوية المتداولة بالمنطقة، إنه لفظ مقسّم لقسمين؛ (تيمْ) وتعني تمام أو منتهى، و(ليمانْ) التي تعني الإيمان، وبالتالي يكون معناها كاملة (تمام الإيمان)، وبما أن حكم الصوم هو التكليف الشرعي عند تمام البلوغ، فقصدوا الصوم، كونه من تمام الإيمان، ومن الأمارات التي كان الأولياء في ذلك الزمان، يعرفون عن طريقها تمام البلوغ، اخشيشان الصوت، واخضرار الشارب، وبداية منبت شعر الإبط، فضلا عن بروز بلحة الحنجرة، إذ كثيرا ما يتعجّل الصبيان بداية الصوم، لأجل طقوس تيمليمان، فتتردّد الأمهات في فعل ذلك، لعدم ملاحظتهن لتلك العلامات، ولعلّ الكثيرات منهن، حفظن من الروايات الشعبية، قول ابن عاشر في متنه بخصوص هذا الباب (أو بثمان عشرة حولا ظهر..).
لعلّ من سوء طالعي أن صومي الأول كان صيفا، ويومها لم يكن قصرنا الطيني يعرف الكهرباء، ولا المراوح ولا المكيفات، ولا الثلاّجات، كنا نتسحّر على إيقاع دندنة (أبّابوزيان) رحمه الله، بسفوف التمر المكسّر فوف سطح بيتنا الطيني بالقصبة، وما إن يأتي الضحى، حتى نصعد لمغارة (واد رحيل)، التي تقع بأعلى القصر، بحيث تسمى المغارة في لهجتنا ب(تقازة)، وهي باردة على أية حال، نقضي فيها طرفا من النهار، حتى إذا جاء العصر، نخرج من تحت الأرض بأسمالنا الندية، ونقوم بحركات معتادة لنفض ملابسنا عند مخرجها، وقتها تكون الشمس، قد فتر لهيبها.. نمر على ساقية (بَجَلْمانْ) فنتبرّد قليلا عندها، لنذهب بعدها لبيتنا بالقصبة، وبعد عبوري لفم القصبة، وانعطافي يسرة باتجاه الزقاق المؤدي لبيتنا، تبدأ رائحة حساء حريرة (زنبو)، تملأ الزقاق.. أدخل البيت متثاقلا منهكا بفعل تحالف العطش مع الحرّ عليّ، أمي ترمقني بنظرة استعطاف وتتبسّم رقّة لحالي، ثم تنهمك مع شغل طبخها وتحضيراتها ب(لمنيصَبْ)، وهو مكان صغير يقع تحت سلّم بيتنا، كان يؤدي دور المطبخ حاليا، تقوم من مقامها، تتجه نحو شكوة الحليب، تخضها جيدا، تقوم بملء الإناء لبنا، تدارة تمر السفوف المكسّر موتّدة إلى جنبها، وما إن يصعد عمي أبّاحسان الصافي رحمه الله، لسطح الجامع، ويرفع الآذان، حتى اهجم براحة يدي اليمنى في جوف تدارة السفوف، وأخرها شبه مملوءة، فألقي بها في فمي، بعد قولي المحفوظ من أقوال أمي المأثورة (اللهم بك صمتُ وعلى رزقك فطرتُ..) لأتبع السفّة بشربة لبن شبه حامض، وبعد مضغ طويل، أكون قد استعنت بشربة لبن ثانية، لا أعتقد أن سفّة واحدة كانت تكفى، وأغلب الظن أننا كنا نثلث؛ لأن أمي تحبّ التثليث في كل شيء.. كثيرا ما كانت تقول لي (زد هذه.. الثالثة دوا النبي..) عندما أوتّرُ أو أشفّع من الأشياء.. بعد استراحة فيها الصلاة والاستلقاء، تحضر أمي قدرة الحريرة البَلْدية، المصنوعة من (زَنْبو)، وهو القمح شبه الناضج، الذي يوضع في رماد البوغة، ثم يطحن ليصير مسحوقا، ليستخدم منه الحساء.. لا أذكر أن قصرنا الطيني في تلك الأيام، كان يعرف المقدمات والمؤخرات من صنوف الطعام، فعلى الأرجح أن يأتيك بعد هذا، خبز تنور أو كسرة مع اللحم والسلام..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.