جميع المحللين يجمعون على أن العلاقات الجزائرية المغربية ,متأزمة في عمومها مع فترات من الانفراج ,و هذا حتى قبل ظهور قضية الصحراء الغربية , و يرجعون ذلك إلى العامل الإيديولوجي جراء تبني الجزائر لفكر القومية العربية الثورية , و تحفظ المغرب على هذا التوجه و توجسه خيفة منه على نظامه الملكي ( المطلق إلى عهد قريب) ,و يضاف إلى ذلك عامل ضبط الحدود بين البلدين , و هو عامل شمل بعد ذلك موريتانيا ثم الصحراء الغربية مما أضعف مطالبته بمناطق أخرى ( لا غبار على مغربيتها) ما زالت تحت الاحتلال الاسباني . ومنذ اندلاع نزاع الصحراء الغربية, أضحى الموقف من هذا النزاع هو الذي يضبط علاقات المغرب ليس مع الجزائر فقط و إنما مع كل دول العالم, غير أن المغرب يصر على أن الجزائر من خلال نشاطها الدبلوماسي هي التي تضعف موقفه بخصوص الصحراء الغربية التي أصبحت بالنسبة للنظام الملكي المغربي "قضية حياة أو موت" كما وصفها مسؤول حكومي مغربي. ويعتقد أن الجزائر تعمل على تهميشه على الساحة المغربية والإفريقية , وتتسبب له في ضياع الكثير من الفرص الاقتصادية جراء استمرار غلق الحدود بين البلدين . وهي المواقف التي جعلته يركز كل جهوده الإعلامية, الاجتماعية, الأمنية,و الدبلوماسية لمواجهة الجزائر ومحاولة تعكير علاقاتها في المحافل الدولية. كما فعل منذ حوالي اسبوع خلال اجتماع اللجنة السياسية للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط المنعقد بروما, وتميز برفض اللجنة مشروع التعديل المقترح من طرف المغرب الداعي إلى إشراك ممثلي الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط في كل اجتماعات اللجنة السياسية لأغراض أضحت معروفة لدى العام فضلا عن الخاص , وفي الأسبوع الموالي تلقت الدبلوماسية المغربية صفعة أخرى في الملتقى الإقليمي للكاريبي حول تصفية الاستعمار الذي نظمته لجنة ال 24 الأممية لمنظمة الأممالمتحدة المنعقد في كينغستاون (سانت فينسنت والغرينادين)، عندما دعا المشاركون فيه الى تسريع مسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، مطالبين بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي. وأكد الملتقى والمخصص لمستقبل تصفية الاستعمار من 17 اقليما غير مستقل مدرجا في الأجندة الأممية على ضرورة إعادة تفعيل اللجنة الخاصة الأممية لتصفية الاستعمار المسماة لجنة ال 24 حتى تتمكن من تحقيق أهدافها. الحق الثابت في تقرير المصير وقد أكد ممثل الجزائر في هذا الاجتماع أن المجتمع الدولي مطالب بمواصلة تقديم دعمه للجنة الأممية من اجل مساعدتها على أداء مهمتها.معربا عن دعمه لجهود مجلس الأمن الدولي ورئيس الأممالمتحدة من اجل استئناف المفاوضات، ومذكرا بمختلف قرارات المحاكم الدولية التي أكدت بان الصحراء الغربية ليس جزءا من التراب المغربي. ودعا لجنة ال 24 إلى ضم جهودها لجهود الاتحاد الأفريقي من اجل التوصل الى حل دائم يضمن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي. وحرص ممثل الجزائر على تذكير الحضور بأن المغرب هو الذي اقترح تقسيم الصحراء الغربية مما يشكل دليلا قاطعا على أن مطلبه الترابي غير مؤسس. أما ممثل جبهة البوليساريو أوضح من جهته بأن مختلف لوائح الجمعية العامة الأممية قد أكدت على أن التواجد المغربي في الصحراء الغربية يعد "احتلالا عسكريا". مذكرا هو الآخر : "أن تنظيم استفتاء تقرير المصير الذي نادت به الأممالمتحدة قد عرقله المغرب الذي يحاول كذلك من خلال ممارسات غير قانونية فرض منتخبين مزيفين على أنهم ممثلين للشعب الصحراوي في حين أن لجنة ال 24 قد أقرت بشكل نهائي في سنة 2016 بان جبهة البوليساريو هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي." وكنا قد أوضحنا من قبل الغرض الدعائي لاستغلال الإعلام المغربي في عمومه, الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في سبتمبر من العام الماضي, كدعامة دعائية للترويج لتوجهه الاستعماري لإقليم الصحراء الغربية و ذلك بالادعاء بعد كل انتخاب, بأن سكان هذا الإقليم قد اختاروا الاندماج في الحياة السياسية والحزبية المغربية, ويستشهد على ذلك بمشاركة هؤلاء في الانتخابات, بنسبة مشاركة تفوق نظيرتها في الأقاليم الأخرى, أي أن الصحراويين أصبحوا ملكيين أكثر من المغاربة الأصليين ؟ وبطبيعة الحال , فإن الإعلام المغربي يعتمد في هذا المجال على نظرية دعائية تقول أن المرء يميل إلى تصديق خبر كاذب سمعه عدة مرات, أكثر من تصديقه حقيقة يسمعها لأول مرة. ولذا فعلى الصحراويين المناضلين من أجل تقرير المصير واسترجاع حرية شعبهم واستقلال وطنهم, ألاَّ يكفوا عن إسماع المغاربة ومن والاهم, الحقائق التي لا يريدون سماعها , بما في ذلك أن نسبة مشاركة الصحراويين في جميع الاستحقاقات الانتخابية سواء منها تلك التي جرت قبل إقرار دستور 2011 أو بعده , قد تم تضخيمها لأغراض دعائية استعمارية بحته, وأنه حتى النسبة الضئيلة التي تختار المشاركة في اللعبة الانتخابية, تختارها حبا في حكم نفسها بنفسها في أقاليم الصحراء الغربية. تمويه الحقائق وبطبيعة الحال فإن اتهامنا للمغاربة بمجانبة الحقيقة فيما تعلق بمشاركة الصحراويين في الانتخابات, يحتاج دليل , و دليلنا وجدناه بدون مشقة بخصوص نتائج الانتخابات البرلمانية المغربية الأخيرة التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 43% , حيث صرح الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعيون عبد الكريم الشافعي:« أن نسبة المشاركة بإقليم العيون في الانتخابات التشريعية المذكورة بلغت 57,21 في المائة..." و هنأ ذات الشخص في نفس التصريح "ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة عموما، وجهة العيون الساقية الحمراء، بصفة خاصة، ... على تجاوبها مع هذه الاستحقاق الوطني ... مبرزا أن نسبة المشاركة التي حققتها ساكنة العيون لها أكثر من دلالة، وتؤكد بالملموس على ارتباط ساكنة حاضرة الأقاليم الجنوبية بوطنهم المغرب." حسبما نقلته عنه جريدة إلكترونية مغربية. أما نسب المشاركة التي أوردها مراسل شبكة ال cnn الأمريكية من الرباط نقلا عن وزير الداخلية المغربي فتشير إلى "أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بلغت 43 في المائة بعد نهاية الاقتراع ليوم الجمعة 7 أكتوبر 2016. وبلغت النسبة 38% في جهة العيون-الساقية الحمراء، و35% بجهة درعة تافيلالت، و32% في جهات الداخلة وادي الذهب، كلميم واد نون وفاس مكناس." وليست المفارقات المتعلقة بتضخيم نسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية, هي التي تنقص لمن يبحث عنها , لكن الذي ينقص هو من يستغلها لفضح الديمقراطيات الشكلية , وخاصة منها تلك التي تستعمل الديمقراطية قناعا لإخفاء وجهها الاستعماري و تعتقد أن نسب المشاركة تلغي حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. أو تعتقد أن الديبلوماسية نشاط مسرحي كالذي مثلته الفرقة الدبلوماسية للمسرح الملكي في كينغستاون (سانت فينسنت والغرينادين) منذ 4 أيام ؟ لكن من سوء حظ ديبلوماسيي جارنا الملك , أن الديبلوماسية ليست مسرحا.