بعيدا عن القيل و القال، و بعيدا عن الحسابات الضيقة، بعيدا عن الحقد والضغينة، والأسف على كل ما هو جزائري مع أننا جميعا جزائريون مصيرنا مشترك و تاريخنا واحد لا يتجزّأ، من الناحية الفنية و بحيادية و موضوعية. فيلم " ابن باديس" مختلف تماما عما ألفناه من تفاهات سينمائية لا تشرّف داخل و لا خارج حدود الوطن، مع أنني لم أشاهد الفيلم سوى من منتصفه و إعجاب أصدقاء لي بشطره الأول عن الشيخ في مرحلة الشباب كما رووا لي بعد انتهائه، إلا أن إخراجه استعانة بخبرة المخرج السوري باسل الخطيب أعطته لمسة مختلفة و سيناريو صوري ثان فوق السيناريو النصي و الحواري للشاعر رابح ظريف الذي وفّق إلى حد بعيد في توزيع الأدوار على شخوص السيناريو حسب الأولويات و قرابتها من الشخصية الرئيسية و تأثيرها في محيطه في فيلم روائي لشخصية وطنية تاريخية هامة من زاوية مختلفة لم نعهد لها عملا مماثلا في تاريخ السينما الجزائرية، لم يخل الفيلم بالطبع من بعض الهفوات الصغيرة التي يمكن تجاوزها حيث أنها لم تؤثر على تتابع مشاهد السيناريو و اللحظات الفارقة من حياة العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس إلا في شطره الثاني بدءا من المنتصف، و لم يكن ذلك اختياريا إذ لا يمكن الوقوف عندها كلها بالتفصيل نظرا لعمر الفيلم المحدود في حيزه الزمني، و الاهتمام بطبيعة العمل الفنية الأكثر منها تاريخية للرجل، لاحظت أيضا مشكلا تقنيا آخر يتعلق بالصوت الذي لم يتم التحكم فيه بإحترافية ترقى إلى مستوى الصورة، و الفراغ النصي من حين لآخر لاعتماد الصورة الذي يحيلك أحيانا إلى الإحساس بأنك تشاهد عملا دراميا لإحدى أعمال باسل الخطيب في مسلسلاته الدرامية و اعتماد العناصر نفسها لشدّ انتباه المشاهد على حساب مدة العرض، و استعراض الخبرات الفنية، أما موسيقى الفيلم للمبدع سليم دادة فقد كانت راقية جدا مقارنة بما ألفناه في الأعمال السينمائية الجزائرية، مستوى التمثيل كان متباينا بين الدور الرئيس للفنان يوسف سحايري الذي بذل جهدا كبيرا في تجسيد شخصية عبد الحميد ابن باديس لكنه أهمل نوعا ما لهجة الشيخ المحلية القسنطينية، و هو إما راجع له، أو لنص الحوار الذي سلّم له، أو محاولة لإعطاء النص بعدا عربيا، و ما عدا ذلك فقد كان الفنان في المستوى آداء و تعبيرا، بعض الوجوه كان حضورها باهتا و بعضها الآخر كان مسرحيا أكثر منه سينمائيا، و هذا يرجع إلى ظروف اعتماد الكاستينغ في توزيع الأدوار، أما الماكياج و الألبسة فكانت موفقة جدا، مناسبة للحقبة التاريخية للفيلم، لم يَطَل الغموض و انفلات خيط السلاسة و الوضوح في تراتبية الاحداث و بساطتها سوى الجزء الثاني من الفيلم، بتأثير طفيف لم ينتقص من قيمة العمل كقفزة نوعية في تاريخ السينما الجزائرية، أنا كمشاهد متطفل مهتم بالسينما مثلما آثر الصديق الإعلامي نجم الدين سيد عثمان أن يطلق على نفسه هذه التسمية، سعيد جدا للتطور الملحوظ في مستوى العمل السينمائي من خلال فيلم ابن باديس على المستوى المحلي، و العمل على أن يكون أول إنتاج سينمائي جزائري ذو بعد عربي على الأقل، هو خطوة موفّقة أولى في حمى الصناعة السينمائية التي نأمل أن تتطوّر أكثر في أعمال لاحقة بسواعد جزائرية و إبداع محليّ تامّ...هذا هو رأيي الخاص حول ما لا يمكن مقارنته تحت أي ظرف أو عذر بأعمال درامية عالمية نظرا لحداثة عهدنا بالمستوى المشرّف للأعمال السينمائية المحلية.