الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من ولاه أما بعد: كلنا يعرف أن من أكبر ميزاء شهر رمضان وأشهرُ ما يوسم به هذا الشهر الفضيل.. الصبر، فقد وسم بشهر الصبر والمصابرة والتصبر... و مما لا يخفى على القارئ الكريم أن مفهوم الصبر أعم وأشمل من مفهوم الصبر في رمضان، و لكن اتصاف شهر رمضان به دون غيره من الشهور لكثرت ما يكون الصبر حاضرا في الأعمال اليومية، فأنت تصبر للجوع و العطش وتصبر على شهوتك و تصبر لتكمل نهارك و تصبر للصلاة المفروضة و تصبر للتراويح وقيام الليل و تصبر لتنجز أعمالك و أنت صائم و تصبر للإرهاق و التعب و لا تفطر و تصبر للحرارة و تصبر للمعاملات التي تلقاها من الناس و تصبر للجو الأسري و تصبر لكثير من الأشياء لو عددناها لما كفانا هذا المقال. و على العموم فإن للصبر في رمضان وغيره منزلة عظيمة، و لا يعتقدن معتقد أن الصبر مطلب شرعي فقط، بل هي في شؤون الحياة و الشؤون الشخصية، و تخيل معي أخي القارئ لو لم يرزنا الخالق جل في علاه صبرا في أمورنا الحياتية، لأكلنا الخبز و الطعام قبل أن يستوي و لأصبحت حياتنا أشبه بالفوضى، ومن هنا تدرك المعنى الصحيح لقول العلماء بوجوبه، وقد أمرنا الله تعالى به فقال جل ذكره:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. ونهى عن ضده فقال سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم:﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وقال جل وعلا: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ وقال: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾وقد أثنى الله على أهله: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ وأوجب سبحانه للصابرين محبته فقال تعالى:﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ وأخبر أنه خير لأهله فقال: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾وقال:﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ ووعدهم سبحانه بعظيم الأجر فقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير ما يعطاه العبد فقال:(وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر). لذلك نحن أشد حاجة إلى الصبر عند فعل ما أمرنا الله تعالى به وعند ترك ما نهانا الله عنه،عند حلول الكرب ونزول الضيم والبلاء، فالصبر لازم لكم إلى الممات، فإذا كانت الدنيا على هوانها وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة لا تحصل إلا بالصبر والمصابرة، فكيف تحصل الجنة التي عرضها السماوات والأرض،والتي أعد الله فيها لأوليائه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أبالكسل والضجر والعجز والجزع؟. ولن تبلغ أيها المؤمن ما ترجوه من فضل الله ورحمته وعظيم منه وعطائه بمثل الصبر وهذا سرُّ احتفاء القرآن الكريم بالصبر حتى ذكره الله تعالى في كتابه في نحو تسعين موضعاً. ومن هنا تدرك قيمة الصبر في شهر رمضان .. فالصبر روح رمضان، وبدون الصبر فلن يبقى لرمضان تلك الميزات التي تميزه عن غيره، فأجمل بها من حركة حين تمر على الماء البارد و أنت عطشان ثم تلتفت إلى الجهة الأخرى كأنك لم ترى شيئ.. أعظم بها من لذة هي أحلى و أشهى من الماء نفسه، فإن كنت جربت هذه الشعور، فأنت قد تذوقت لذة العبادة و عرفت قيمة الصبر في رمضان.