الرقيب : ليس هناك سلطة على هذه الحلقات لا قبعة و لا نظرات سوداء..المراقبة لا تتابع و تراقب أو تفتش الذين يمارسون هذا النوع من الطقس و الفرجة .كانت حلقات الرقص ألتطهيري أو الجذبة و حلقات الشعر و الحكواتي حلقات متحررة و غير مقيدة و ليس فيها تابوهات خاصة تلك التي لا تحضرها النساء .في هذه الحلقات يطبق مفهوم العودة إلى الطبيعة و مشاهدة الإنسان الأول الخالي من عوالق الحاضر من الحضارة و السلوكيات الجديدة و المناهج الأكاديمية .و الذكي هو أيضا ينظر الى المسألة كما ذكرها الباحث أحمد بوكوس في أبحاثه عندما قال : ( الثقافة الشعبية عموما تعيش حالة تدهور متقدمة اذ تحتل مرتبة دنيا على صعيد سوق الممتلكات الرمزية عامة نتيجة علائق الانتاج الرمزية السائدة و التي تعكس علائق الانتاج الاجتماعية المتمثلة في هيمنة نمط الانتاج النقدي الرأسمالي ) تحضير لا تقليد : الحلقات المذكورة لا تقلد أي شكل من الأشكال المعروفة و لا تنقل الحاضر كما هو فالرقص تطهيري يأخذ في الكثير من الأحيان منحنى آخر جديد و غير متفق عليه يتم السيطرة عليه بهدوء إذا كان يشكل نوعا من الخطر و أداء المتحلقين .فالرقصة في شكلها الخارجي هي قالب متكرر و لكن الشيء الذي يمحي عنها هذه الصفة هو روح الأداء و اللعب بكل بساطة ، الراقص عندنا و كأنه لأول مرة يرقص فعند لحظة التركيز و تسليم نفسه للإيقاع الأول الموجود بذهنه و الذي سحبه من إيقاع المكان و أيضا من وجع الألم أو الفرح الذي يحمله فغالبا ما نجد أحدهم يعبر عن سعادته بموسيقى حزينة يعطي جسده حق التعبير بها بكل عفوية و العكس صحيح فيقول مثلا الدكتور رقص "الحال"، ورأى أنه يعبّر عن الوضع الصوفي وقال إنه كثير ما يؤديه حتى الأئمة والخطباء، وجسد الباحث هذا البعد في مثال قدمه عن "رقصات القاعة" المعروفة، حيث يذهب الإنسان وهو مريض إلى هذه الحلقات ويرقص ويعود في أحسن حال، وهذا حالة من حالات التصوف، باعتبار أن المتصوفة لديهم نوع من أنواع هذه الرقصات .( فيديو مسرحية ماذا ستفعل الآن ، بخور عصري ) الحكواتيين لا ينقلون الواقع بشكل مزيف و لكن بكل تعبيره و بشكل فني و غير مقيد و تجريدي خاصة اذا وجد الحكواتي نفسه أمام متحلقين مهتمين بالحكاية فيرتجل ليجعل من حكايته حكاية ذات أبعاد خرافية . على مستوى التحضير فان العازفين و المؤدين خاصة يعيشون الحدث بشهر أو أكثر من الانتظار و بشغف فيهتمون بآلاتهم و أكسسواراتهم كأنها أولادهم و زوجاتهم و العازف و المؤدي يحمي نفسه من نزلة البرد و الإرهاق و الاستماع إلى المشاكل و لكن يغذي روحه و نفسيته عبر مشاهدة الصور القديمة مثلا الفيديوهات و هؤلاء طيلة هذا الزمن حديثهم هو عن الأداء و العزف واستحضار كل طاقاتهم الايجابية كالافتخار بالعشيرة و الأصول و الأجداد و المبالغة في ذكر الأمجاد و الكرم كل هذا لأجل إنجاح الحدث . لا فرق بين الملقي و المتلقي : إن المؤدي و الشاعر و الفارس في مثل هذا الحدث ليس كالممثلين العصرين يبحث عن الشهرة إنما هو كائن لا يعشق هذه الشهرة و لا المتحلقين ينشغلون بحبه لأنه ببساطة يصبح هو واحد من المتحلقين و المتحلقين هم المؤدي فقط هناك ملاحظة بسيطة و هي أن بعض المؤدين يتفاعلون مع كل القطع الموسيقية و في كل الحلقات و مهما كان تشكيلها أو طقسها و مناخها و نوعية الناس المشاهدين ‘نما هناك قطع موسيقية خاصة هي من تؤثر عليه و تسمح له بحالات الاعراج المبهر و المخيف في نفس الوقت و هذا ما تركنا نترك حرية النقاش للمثل مع المؤلف الموسيقي في اختيار الموسيقى التي يحب خاصة في المونولوجات . حالة الذوبان : إن جماعة المؤدين و العازفين في الغالب هم مجموعة لا تعرف بعضها البعض تلتقي من تقديم عرض فرجوي ، مختلفون من حيث المشارب و الانتماء العشائري ، مستويات مختلفة علمية و اجتماعية و اختلافات أخرى على مستوى الجسد . يبقى قائد الحلقة و هو في الغالب مؤدي معروف شاعت مهارته في السابق هو من يتحكم في تسيير الحلقة و بشكل قيادي يصل حد الخرافية في طريقة تنظيم و تسيير الاستعراض، عنوان العمل هو ( من سلم دخل ) أي أسلم ذاته للعرض و لقائده. لقائد الحلقة أو العرض طريقة وقوف طبق معيار تطبيق الإيقاع فهو أول من يزور ميدان الاستعراض ثم يغيب ليعود في يوم الاستعراض بشيء من التأخير ثم يقف وسط الميدان و هو صامت لا يتحدث إلا بلغة العيون ( يرفض ، يسمح ، يساعد ، يشجع و يسند المعرجين المتطهرين ) . في الحلقة ليس شرطا أن ترقص جيدا أو لا ، ليس مهما لدى المشارك كيف سيؤدي لكن همه كيف يقنعك أنه بحاجة إليك و أنك أيضا بحاجة إليه عكس ما يحدث في المسرح فالممثل و خاصة الأكاديمي يفكر دائما كيف يؤدي و لا يفكر في ماذا يؤدي . الجمهور لحظة العرض : المؤدي يشحن نفسه بالإيقاع و يدخل مباشرة في الذوبان و التفاعل و لا ينتظر أن يشحنه المتحلقون لكن مهمته كما ذكرنا في السابق هي أن يوزع مشاعره فرحا أو حزنا على الجميع . كل الحركات التي يقدمها المؤدي يمكن أن تكون شرطية لكنها تخرج في بعض الأحيان عن المألوف و حركة واحدة مكررة يمكن أن تسمر المشاهدين و يحاولون تفكيك رمزوها و فهم حالة المتلقي ،نفس ما ذكره أبو حامد الغزالي عن هذه الحالة فيقول : ( ويثمر السماع حالة في القلب تسمى الوجد،ويثمر الوجد تحريك الأطراف إما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب وإما موزونة فتسمى التصفيق والرقص )رغم الإبهام الذي يشوب الأداء إلا أن نهاية العرض و استعادة المؤدي لحالته العادية يبدأ المتحلقون في إسماعه رسائل فهمهم له فمنهم من يدعوا له بالفرج أو المباركة .